وكل هذا كان موجودا في عمر، رضي الله عنه، ألهم حتى نادى: ((يا سارية الجبل))، من مسيرة شهر. وتفرس في الأشتر، حين دخل عليه، حدثنا بذلك يعقوب بن شيبة، قال: حدثنا بشر بن الحارث، عن سعيد بن عمر بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: ((دخلنا على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مع وفد مذحج. فنظر إلينا، حتى انتهى إلى مالك الأشتر. فصعد فيه النظر وصوبه، ثم قال: أيهم هذا؟ قلنا: مالك ابن الحارث. قال: قاتله الله! إني لأرى منه للمسلمين يوما شرا عصيبا)).
وهذه وصمة عظيمة شديدة عند العقلاء. تدل على أنهم في صدقهم مدخولون، حسدة، بغاة؛ حب الدنيا في قلوبهم مشحون. يكبر في صدورهم أن يترأسهم أحد. فيقصدون قصد منن الله تعالى فيدفعونها. فعلماء الظاهر يدفعون كرامات الأولياء: من نحو المشي على الماء، وطي الأرض. فينكرون هذه الأخبار، ويقدرون ذلك من تلقاء أنفسهم. ويزعمون أن تلك (الكرامات) من آيات المرسلين، (الخاصة بهم وحدهم). فإن أثبتنا ذلك لمن دونهم، أبطلنا حجج المرسلين. وما أبعد ما وقفوا معه، فلم يميزوا بين الآيات والكرامات، ولم يعلموا أن الكرامات من كرمه والآيات من قدرته. فلم يقروا بالكرامات ليأسهم من هذه الكرامات، لما هم فيه من الأدناس والتخليط.
Bogga 60