فإذا أماتهم (الله تعالى فهم) لا يلتفتون إلى طلب فائدة أو علم أو حكمة حتى يكون هو الذي يفيدهم ويدلهم. ولا يلتمسون رياسة ولا ميل الخلق إلى ما جاؤوا به حتى (لا) يصير الالتفات حجابا لهم عن خالقهم. وبعد هذه الأشياء، بشروا بفوز العاقبة.
فلو لم يكن في قلوب (الأولياء) إلا حسن الظن بعطاء (الله) لكان
تحقيق ذلك: الخبر على قبولهم. فكيف بالفراسة والإلهام والحق والحكمة وروح الجلال وعجائب (مطوية) في قلوبهم؟ (ف)كلها محقق ومصدق هذا الخبر. ثم السكينة تلقي الخبر (في القلب) فيقبله (القلب). ف(كيف) يمكنه (الولي) رده (خبر البشرى)؟
(الفصل الثامن عشر) (منكروا أحوال الأولياء)
وهذا الذي يدفع (مثل) هذا، لا يعلم من هذه الأشياء إلا أسماءها. ولا يعلم صنع الله على القلوب. وهم مقرون بهذه الأسماء، فلو علموا ما هذه الأسماء التي ذكروها وما أفعالها على القلوب - لكانوا لا يحتجون بمثل هذه الحجج. فهم يقولون: حكمة حكمة! وفراسة، فراسة! وإلهاما إلهاما! وليس عندهم وراء هذا شيء. ألا ترى أنك تجد في مسائلهم أنهم يقولون: ما الفرق بين الوسوسة والإلهام؟ وليت شعري هل يعرفون قصة الإلهام وقذفه وصفته؟ من أين، وكيف، ومتى يكون؟ فكذلك هان عندهم شأن الإلهام!
وقد بلغ من سلطان الإلهام، ما بلغنا أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، نطق على المنبر، على الإلهام: ((يا سارية بن حصين، الجبل، الجبل)). فسمع الجيش كلمته في ذلك، وهم منه على مسيرة شهر، كما روي في الخبر. فانحازوا إليه، وأعانهم الله بذلك النداء. فالمحدث حديثه فيما بينه وبين ربه. فإذا صار (المحدث) إلى أمور الغيب، قذف إليه الخبر مع شعل الأنوار. فلولا أن ذلك القذف موسوم بالرحمة لذابت له الجبال، من هول السلطان الذي معه. فإذا صار (المحدث) إلى الفراسة، نظر بنور الله التام، فنفذ بصره فيما لم يخلق بعد.
Bogga 59