يأمنون (من أنفسهم)، (ولكن) لما أمنوا أمنوا. والأنبياء لهم
عقدة النبوة، والأولياء لهم عقدة الولاية.
(الفصل السابع عشر) (عقد الولاية وعقد النبوة)
قال له قائل: (وما عقد النبوة؟) وما عقد الولاية؟
قال: ولي الله الأنبياء: بأن أخذهم من نفوسهم إلى محل النبوة وكشف الغطاء. وولي هذا الصنف من الأولياء: بأن أخذهم من نفوسهم إلى محل الولاية وكشف الغطاء. فهؤلاء في عقدة وهؤلاء في عقدة: فلا يأمنون حتى يؤمنوا. وسائر الخلق، من الموحدين، في عقدة التوحيد، يتطلعون بقلوبهم (إلى) ما عنده. وذانك الصنفان (في عقدتي النبوة والولاية) ينجذبون بقلوبهم إليه.
فالذين عندهم ينالون مما لديه؛ وعقد قلوبهم هناك. والعامة من الزهاد والعباد والمتقين والمخلصين، ينالون مما ألقى إليهم في أرضهم: فهم أرضيون وأولئك عرشيون. هؤلاء نفسيون، وأولئك قدسيون. هؤلاء عبيد النفوس؛ وأولئك عبيد الجواد الكريم!
وهؤلاء (هم) الذين قال (عنهم) عيسى ابن مريم، عليه السلام، في خطبته: ((فلا عبيد أتقياء ولا أحرار كرماء)). فالعبيد الأتقياء. عبيد النفوس، لم يفتح لهم الباب فبقوا مع مجاهدة النفوس، فهم الأتقياء. والأحرار الكرماء: (هم) الذين أعتقوا من رق النفوس، بما فتح لهم من الملكوت. قال الله تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين} فهؤلاء أهل اليقين.
قال له قائل: من أي طريق يؤمنون؟
قال: من طريق ما أخبرتك: الأنبياء، من طريق الوحي، أورده عليهم فقبلوه بالروح؛ والأولياء من طريق الحق، أوردهم على قلوبهم فقبلوه بالسكينة. ولم يقبلوا شيئا خالف الشريعة.
وإما قبل (الأولياء) بشراه، بعد أن أعطاهم الله تعالى طهارة القلوب، وعلم التوحيد، ومعرفة الآلاء. فاطلع قلوبهم ملكا ملكا، وقطع لهم من كل ملك حظا. وأوصلهم إلى نجواه ومجالسه القدسية. وأمات نفوسهم عن جميع الشهوات: دنيا وآخرة. فامتلأت قلوبهم من عظمة الوحدانية! فأنى يستفيقون لذكر النفوس؟
Bogga 58