(الفصل الخامس عشر) (الكتاب والروح)
قال (له قائل): وما الكتاب؟ وما الروح؟
قال: كتاب رب العالمين، في قلوب خاصته، والروح هو الحق!
قال: وما الحق؟
قال: اقتصر في السؤال على قدر طوقك لاحتماله، فإنما القلوب أوعية وكل وعاء. إنما يحتمل بقدره، فإذا حملته أكثر من ذلك انشق وفاض وكان فسادا. فليكن اقتصارك في شأن النفس حتى تطهرها فينشرح صدرك. ألا ترى إلى قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا} إلى قوله: {وكذلك يضرب الله الحق بالباطل}.
فهؤلاء أولياء الله تعالى: {كتب في قلوبهم الإيمان} وجعل لهم متعلقا بقوله: {وأيدهم بروح منه} وأوجب لهم ((الرضى عنهم)) فقال: {رضي الله عنهم}. ووصفهم بأنهم أهل الرضى عنه فقال: {ورضوا عنه} ثم وصفهم بأنهم حزبه فقال: {أولئك حزب الله} فهم رجال الله في أرضه، الذابون عن أمره، الناصرون لحقه.
وقال (عز وجل) في آية أخرى: {ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها } وإذا ذكر الله المؤمن، فإنما يذكر المستكمل الإيمان. فصيره مستمسكا {بالعروة الوثقى لا انفصام لها}: (أي): لا ينفصل من وليها.
قال له القائل: وما العروة؟
قال: حق علي أن أؤخرها حتى أجد لها موضعا، فإنها حكمة الحكمة!
قال له القائل: فيجري! وأحتسب تعطفا!
قال: نعم، سل مفتقرا إلى ربك.
قال: ما العروة الوثقى؟
Bogga 53