قال: جلال الله تعالى، لا انفصام لها من الله. فلما أبداها في صدور الأولياء والمحدثين، وأشرق نور الجلال فيهم علقت قلوبهم به؛ فهامت في جلاله، ولهت عمن سواه، واشتغلت به. فهم المستمسكون بالعروة الوثقى، التي لا تنفصم من مبدئها. وأيدهم (الله تعالى) بروح الجلال فتعلقت بذلك التأييد بجلال الله تعالى!
وأتلفت قلوب الأولياء حتى صارت كلها على قلب رجل واحد. وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، قلوبهم على قلب رجل واحد)). وإنما صاروا هكذا، لأن قلوبهم لهت عن كل شيء سواه، وتعلقت بمتعلق واحد: فهي كقلب واحد. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام، فيما يذكر عن ربه، عز وجل: ((وجبت محبتي للذين يتحابون لجلالي ويتصافون لجلالي!)).
وهم الذين قال الله، عز وجل، عنهم في تنزيله: {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} وروح الجلال أعظم شأنا من أن يوصف. فإذا وجدت قلوبهم نسيم روح الجلال، كادت تطير من أماكنها شوقا إليه، وهم محبوسون برمق الحياة، وصاروا في اللقاء يهش بعضهم إلى بعض؛ يطفئون حرقة الشوق باهتشاش بعضهم إلى بعض، ائتلافا وتبسما وتلذذا.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ، لما ذكر العلماء: ((بروح ائتلفتم، وكتاب الله تلوتم، ومساجد الله عمرتم، أحبكم الله وأحب من يحبكم)). ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ((إذا التقى المؤمنان وتصافحا تحاتت عنهما ذنوبهما كما تحاتت ورق الشجرة اليابسة)). فهذه صفة الأولياء.
Bogga 54