قال: الوحي والروح، ما قال الله تعالى في كتابه: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}. (وذكر السكينة) فقال (عز اسمه): {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} والمحبة في قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه} والحق هو حقيقة التوحيد، الذي ورد على القلب.
قال له القائل: قد عرفت أنه مذكور كله في التنزيل. وإنما ابتغيت معرفة نفس هذه الأشياء، لا الأسماء!
قال: هيهات! أنت تحتاج إلى الصبر عن معرفة هذا، حتى إذا رقي بك طريق الإرادة، إلى محل القربة، فقربت هناك فسل حينئذ عن هذه الأشياء. فإن أولئك (أهل القربة) بحاجة إلى معرفة هذا، وهم على مكانتهم في مراتب القربة. هناك تشخص أبصارهم إلى من يعرف هذا، عند سادات الأولياء المحدثين. فإن علم هذه الأشياء عندهم. وهو الحكمة العليا، التي يقال لها: حكمة الحكمة.
قال له القائل: قد وصفت الفرق بين النبي والمحدث، فما صفة هؤلاء الآخرين من الأولياء؟
قال: إن أهل الطريق يناجون، والمحدثون يحدثون والحديث من حيث أعلمتك. والنجوى من العطاء، ترمى إليه مقالات من بعد، كأن قائلا يقول كذا. ليس معه حراس النبيين ولا المحدثين: من الروح والسكينة وتولية الوحي. فصاحبه منه في ريب، لا يأمن أن يخالطه العدو بشيء، أو تمازجه النفس بخدعها ودواهيها. وكم من مريد غلط، استمع إلى نجواه فركن إليها، وقد مازجته النفس بدواهيها، فإذا هو ضحكة للشيطان! تحدثه نفسه بشيء، فيحسبه من الله، فركن إليها.
قال له القائل: وهل يأمن المجذوب أو المحدث أن تكون نفسه تأتي بمثل ذلك، أو عدوه.
قال: فأين الحق والسكينة؟ وكما أن النبوة من الله، فكذلك الحديث من الله، على جهة ما ذكرت لك. وكما أن النبوة محروسة بالوحي والروح، فكذلك الحديث محروس بالحق والسكينة. فالنبوة يأتي بها الوحي، والروح قرينه. والحديث يأتي به الحق، والسكينة قرينه. والسكينة مقدمة النبوة، والحديث في قلب النبي، والمحدث ثابت.
وإنما سميت (السكينة) سكينة، لأنها تسكن القلب عن الريب والحرارة، إذا ورد الحق بالحديث عن الله تعالى. وكذلك الروح يعمل عمله في القلب، إذا ورد الوحي عن الله تعالى. ألا ترى أن بني إسرائيل لما أعطوا السكينة، ووجدوا ثقلها، وعلموا أنهم يعجزون عن احتمالها على القلوب - سألوا الله تعالى أن يجعلها لهم في التابوت، فكانت تنطق من التابوت، وتسكن القلوب بنطقها، فيعملون على ذلك.
ولما أمر الله إبراهيم، عليه السلام، ببناء البيت، قرن به السكينة، حتى أتى البقعة،
Bogga 35