246

Jabinta Xuduudaha

كسر الحدود

Noocyada

وتفاءلت أخيرا وبدأت أكتب الورقة، لكن جرس التليفون دق مرة أخرى وجاءني صوت محام آخر متطوع في القضية نفسها، وقال بصوته المخضرم العجوز: لن نكسب القضية في الجلسة الأولى ولا الجلسة العاشرة، إن مثل هذه القضايا في مجلس الدولة تستغرق الشهور والسنين، وقد نخسر القضية في النهاية؛ لأن المادة رقم 96 من قانون الجمعيات رقم 32 لعام 1964 تمنح وزير الشئون الاجتماعية سلطة أكبر من سلطة رجال الضبطية القضائية، الذين لا يملكون حق مصادرة الأموال إلا بأمر من النيابة العمومية، أو في حالة التلبس بجريمة قتل أو جريمة مخدرات.

وتساءلت بدهشة: فين الحقوق المدنية؟

وقال المحامي ساخرا: حقوق مدنية إيه يا دكتورة؟ إن وزارة الشئون الاجتماعية وهي الجهة الأساسية المعنية بالحقوق المدنية للشعب تسلب هذه الحقوق من الشعب بواسطة قانون الجمعيات، اقرئي المادة رقم 97 من هذا القانون، فهي تنص على الحبس مع الأشغال الشاقة لكل من أنشأ أو نظم أو أدار جمعية تدعو إلى مناهضة نظام الحكم، أو الحض على كراهيته! حتى الكراهية يا دكتور غير مطلوبة، وعليك أن تفتحي قلبك لحب نظام الحكم!

وقلت لنفسي: إذا كان هذا هو حال الحقوق المدنية في مصر، فما بال تلك البلاد العربية التي لا تعرف شيئا اسمه حقوق مدنية، ولا يسمح فيها للرجال بتكوين الجمعيات أو المؤسسات الشعبية لحل مشاكلهم، ولا يسمح فيها للنساء بالخروج من البيت للاشتراك في الجمعيات أو الأنشطة المدنية العامة أو حتى مجرد قيادة سيارة؟ (4) ما الفرق بين الحقوق المدنية والحقوق السياسية؟!

منذ ولدت وأنا أسمع كلمة الحقوق السياسية تردد من حولي، ثم عرفت حين كبرت قليلا أنني محرومة من هذه الحقوق؛ لأنني أنتمي إلى جنس آخر، وأن النساء يطالبن بهذه الحقوق من خلال الجمعيات النسائية، وأن هذه الحقوق تتعلق بحق الترشيح والانتخابات في البرلمان، وفي عام 1956 حصلت النساء في مصر على هذه الحقوق، وحدث أيضا في عدد من البلاد العربية فيما عدا بعض البلاد العربية في الخليج العربي، حيث لا تزال النساء محرومة من التصويت في البرلمان.

وفي بلادنا العربية نشأ مفهوم الحقوق السياسية بمعناها المعاصر المتعلق بدخول البرلمان أو الأحزاب السياسية، والحكم نتيجة الصراع بين الحركات الوطنية والقوى الاستعمارية الخارجية وأعوانها من الحكومات الدكتاتورية المحلية.

وقد سيطرت نخبة المثقفين من الرجال على الحركات الوطنية في بلادنا بحكم النظام الطبقي الأبوي؛ الذي أبعد النساء والفلاحين والعمال والفقراء عن النشاط السياسي.

وتنتمي هذه النخبة في معظم الأحيان إلى الطبقات أو الشرائح العليا أو الوسطى الرأسمالية بجذورها الإقطاعية أو القبلية أو العائلية، وبالتالي كانت نظرتها إلى الحقوق السياسية محدودة بحدود مصالحها التي تساعد على الوصول إلى الحكم بأسرع الطرق وأقصرها، وهو طريق الانتخابات للبرلمان، وتكوين الأحزاب السياسية وإصدار الصحف، بمعنى آخر الليبرالية التي تشبه في بعض الوجوه الليبرالية في البلاد الصناعية الرأسمالية في الغرب، ولم تهتم هذه الطبقة المثقفة بحقوق الطبقات والفئات الأخرى في المجتمع كالنساء والشباب والفقراء والأجراء في الريف والمدن، والتي كانت تمكنهم لو حصلوا عليها من المشاركة معهم في الحكم، وفي تسيير شئون البلاد وشئونهم الخاصة، وتغيير المجتمع، وبناء المؤسسات الشعبية التي تساعد على هذا التغيير؛ أي خلق الأدوات والمنظمات التي تسمح لهم بالحصول على حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية وغيرها.

لكن الحقوق السياسية ظلت مقصورة على الشريحة العليا الصغيرة في المجتمع، وأطلق عليهم اسم رجال السياسة أو الساسة أو القيادات، وسقطت الأغلبية الساحقة من الرجال والنساء تحت اسم آخر مثل الناس العاديين أو المدنيين أو القطاع المدني.

ومن هنا جاء اصطلاح الحقوق المدنية، وهي الحقوق السياسية التي حرمت منها الملايين أو أغلبية الرجال والنساء والشباب؛ لأنها تنطبق على ذلك القطاع المدني أو القواعد المحرومة من المشاركة السياسية الحقيقية.

Bog aan la aqoon