245

Jabinta Xuduudaha

كسر الحدود

Noocyada

كنت عائدة لتوي من مكتب البريد بعد أن ضاع مني نصف الصباح في البحث عن زجاجة صمغ غير مغشوشة، وفي تسجيل الخطاب، وما أن سمعت مدير الأمن يقول إن الشعب مات حتى قلت على الفور: طبيعي كان لازم يموت.

كنت أشعر في تلك اللحظة أن جميع حقوقي المدنية والإنسانية تنتهك كل يوم حين أحاول ممارسة الأعمال الضرورية في الحياة؛ مثل تسجيل خطاب أو تجديد رخصة القيادة أو جواز السفر، أو دفع فاتورة الكهرباء أو التليفون، أو أي عمل آخر يتطلب علي الدخول إلى مكتب من مكاتب الحكومة، أشعر كأنني عدت فجأة إلى عهود العبودية، أو أنني مثل ذبابة سقطت في عش العنكبوت، وأن التعليمات أو اللوائح أو القوانين بلا عقل وبلا منطق إلا السيطرة العمياء والرقابة الأكثر غباء، فالمفروض أن «السيلوتيب» لا يمنع الرقيب من فتح الخطابات؛ بل إنه أسهل في الفتح، ولا يترك أثرا واضحا، كالصمغ العادي الذي لا يفتح عادة إلا بتمزيق المظروف، أو بواسطة بخار الماء، وقد عرفت هذه الحقيقة فيما بعد من مدير الأمن الذي ابتسم في وجهي ذلك الصباح، وقال إن الشعب قد مات. (2) التجربة الذاتية والموضوعية

سألت نفسي وأنا جالسة إلى المكتب أفكر في هذه الورقة المطلوبة مني عن الحقوق المدنية، هل أكتب شيئا عن تجربتي الذاتية، أم أدخل في الموضوع مباشرة كما يفعل أساتذة الجامعات أو البحوث الأكاديمية؟

لكن نزعتي الأدبية أو الروائية تغلب دائما، وتؤكد لي أن الذات جزء من الموضوع.

وفي الثقافة العربية مبدأ يقول: ابدأ بنفسك، وفاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كنت أريد التحدث للآخرين عن حقوقهم المدنية، فهل أنسى حقوقي أنا؟

وباختصار شديد يمكن أن أقول إن جميع حقوقي المدنية قد انتهكت تماما منذ الولادة، وفي جميع مراحل العمر حتى اليوم.

حين ولدت واكتشفت الناس من حولي نوع الجنس الذي أنتمي إليه تبددت الفرحة وعلا الوجوه الوجوم والهم، وقبل أن تنتهي مرحلة طفولتي كاد جدي لأمي أن يزوجني لرجل يكبرني بثلاثين عاما لأنه يملك ثلاثين فدانا، وفي الشارع أو الأتوبيس كانت عيون الرجال وأيديهم تنتهك حقوقي المدنية، وفي المدرسة والجامعة كان المدرسون يفرضون علي الحفظ دون الفهم أو الجدل والنقاش، وفي الزواج كان علي أن أخضع لسيطرة الزوج المطلقة أو الطلاق، وفي عملي داخل الحكومة كان علي أن أطيع المدير أو الوزير بلا نقاش وإلا الاضطهاد والطرد، وفي الكتابة والنشر كان علي ألا أمس المحظورات أو الموروثات منذ آلاف السنين، وألا أقترب من قريب أو بعيد من قمة السلطة الهرمية ، أو فرعون الأكبر، وإلا فالعقاب معروف ومكتوب في القانون أو غير مكتوب، مجرد إشارة تليفونية تحملني العربة المصفحة إلى السجن.

حين أعود بذاكرتي إلى الوراء أندهش كيف مررت بكل هذه التجارب، وكيف انتهكت حقوقي المدنية دون أن أنتمي إلى حزب سياسي أو أدخل حلبة الصراع على السلطة، ولمجرد رغبتي الطبيعية في الانتماء إلى الجنس البشري وممارسة حقي الأول كإنسانة لها عقل تود التعبير عنه. (3) نموذج من الحياة الواقعية الحالية

حين جلست لأكتب هذه الورقة، وكان ذلك في أوائل أكتوبر الماضي دق جرس التليفون، وجاءني صوت أحد المحامين المتطوعين في القضية المرفوعة في مجلس الدولة ضد وزارة الشئون الاجتماعية؛ بسبب صدور قرار إداري في يونيو الماضي بحل جمعية تضامن المرأة ومصادرة أموالها، وتحويلها إلى جمعية أخرى اسمها نساء الإسلام.

وقال لي المحامي بصوته الواثق: سنكسب القضية يا دكتورة في الجلسة الأولى 31 أكتوبر 1991؛ لأن قرار الحل صدر بلا أسباب وبلا تحقيق وبلا حكم قضائي، وهذا انتهاك لجميع الحقوق المدنية، وانتهاك للدستور التي تنص المادة رقم 66 منه على أنه لا يجوز فرض عقوبة دون حكم قضائي.

Bog aan la aqoon