ظهر له في الآية تفسير مغاير لتفاسيرهم، أو معنى لم يذكروه في كتبهم، أو أحتمل بنظره فيها (1) احتمال هو أقرب إلى معناها مما ذكروه من احتمالاتهم، فإن كان ذلك التفسير أو الاحتمال مستلزما لرفع شيء من أقوالهم، أو مبطلا لبعض تفاسيرهم، أو رادا لشيء من احتمالاتهم، لم يصح له العمل بما أداه نظره إليه وجزم به وأخذ الحكم منه، إذ لو لا جواز ذلك لما تعددت أقوال المفسرين، ولا اختلفت تأويلاتهم، فإن القرآن العزيز بحر لا تفنى عجائبه، ولج لا تنقضي غرائبه.
ويكفي المستدل النظر في بعض الكتب الثلاثة التي وضعها الأصحاب رضي الله عنهم في هذا الباب المذكورة فيما تقدم، فإن فيها غنية له عن المطالعة لغيرها من كتب التفاسير، بعد تصحيح نقلها بطريق عدل متصل بالمصنف بأحد الطرق المعتبرة في الاصول.
الثاني: ما دل عليه نص السنة النبوية والإمامية، أو ظاهرها، أو منطوقها، أو فحواها، أو شيء من عوارض ألفاظها من الأحكام الشرعية، والمطالب الفقهية، فإنه ليس محل الاجتهاد أيضا، لجريانها مجرى الكتاب العزيز في تعريف الأحكام، ووجوب الرجوع إليها في الحوادث، فيأخذ المستدل الحكم مما هو مذكور فيها، من غير احتياج إلى معاناة بحث واستدلال.
وإنما الواجب عليه في كيفية أخذ الحكم منها بعد تصحيح نقلها، معرفة عوارض ألفاظها من العموم والخصوص، والنص والظاهر، والإطلاق والتقييد، والإضمار، والحقيقة والمجاز، والناسخ والمنسوخ إن كانت نبوية، وإلا فلا احتياج إليها كما تقدم، إلى غير ذلك.
ويرجع في ذلك إلى كتب العلماء الموضوعة لذلك، وفي الاخبار إلى
(1) في «م»: تنظره.
Bogga 132