إلى قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض " فبقدر ما تتطهر القلوب عن هذه الخبائث تتحاذى شطر الحق الأول (5) وتلألأ فيها حقائقه كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله: " إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، فإن التعرض لها إنما هو بتطهير القوب عن الكدورات الحاصلة عن الأخلاق الردية (6) فكل إقبال على طاعة وإعراض عن سيئة يوجب جلاء ونورا للقلب يستعد به لإفاضة علم يقيني، ولذا قال سبحانه:
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. (7).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم " فالقلب إذا صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الإلهية والإفاضات الرحمانية ما لا يمكن لأعاظم العلماء كما قال سيد الرسل: " إن لي مع الله حالات لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل ".
وكل سالك إلى الله إنما يعرف من الألطاف الإلهية والنفحات الغيبية ما ظهر له على قدر استعداده، وأما ما فوقه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدق به إيمانا بالغيب كما إنا نؤمن بالنبوة وخواصها ونصدق بوجودها ولا نعرف حقيقتهما كما لا يعرف الجنين حال الطفل والطفل حال المميز والمسير من العوام حال العلماء والعلماء حال الأنبياء والأولياء.
فالرحمة الإلهية بحكم العناية الأزلية مبذولة على الكل غير مضنون بها على أحد، لكن حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب وتصفيتها عن الخبائث الطبيعية، ومع تراكم صدأها الحاصل منها لا يمكن أن يتجلى فيها شئ من الحقائق، فلا تحجب الأنوار العلمية والأسرار الربوبية عن قلب من القلوب لبخل من جهة المنعم تعالى شأنه عن ذلك، بل الاحتجاب إنما هو من جهة القلب لكدورته وخبثه واشتغاله بما يضاد ذلك.
ثم ما يظهر للقلب من العلوم لطهارته وصفاء جوهره هو العلم الحقيقي
Bogga 38