النوراني الذي لا يقبل الشك وله غاية الظهور والانجلاء لاستفادته من الأنوار الإلهية والإلهامات الحقة الربانية، وهو المراد بقوله (ع): " إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء " وإليه أشار مولانا أمير المؤمنين (ع) بقوله: " أن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه " (إلى أن قال): " قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه وسلك سبيله وعرف مناره، وقطع غماره (8)، واستمسك من العرى بأوثقها ومن الجبال بأمتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس " وفي كلام آخر له (ع) " قد أحيي قلبه وأمات نفسه، حتى دق جليله (9) ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة، وتثبت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى به ".
وقال (ع) في وصف الراسخين من العلماء: " هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى " وبالجملة ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة إذ العلم الحقيقي عبادة القلب وقربة السر، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر إلا بعد تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد تطهيره من النجاسة الباطنية التي هي رذائل الأخلاق وخبائث الصفات، كيف وفيضان أنوار العلوم على القلوب إنما هو بواسطة الملائكة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب " فإذا كان بيت القلب مشحونا بالصفات الخبيثة التي هي كلاب نابحة لم تدخل فيه الملائكة القادسة والحكم بثبوت النجاسة الظاهرة للمشترك، مع كونه مغسول الثوب نظيف البدن، إنما هو لسراية نجاسته الباطنية فقوله صلى الله
Bogga 39