الثانية: أن قول عمر هذا فيه التسليم للشارع فى أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهى قاعدة عظيمة فى اتباعه (صلى الله عليه وسلم) فيما فعله ولو لم تعلم الحكمة فيه، قال الشيخ زين الدين العراقى فى «شرح الترمذى» وفى قول عمر رضى الله عنه دليل على كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله، وأما قول الشافعى وأيما قبل من البيت فحسن فلم يرد به الاستحباب، لأن المباح من جملة الحسن عند الأصوليين. انتهى.
وأجيب عن الشافعى بأن معنى قوله: فحسن، أن ذلك غير مكروه ولا مستحب. كذا قاله الجد (رحمه الله).
الثالثة: قال السهيلى: الحكمة فى كون خطايا بنى آدم سودته دون غيره من حجارة الكعبة، أن العهد الذى فيه هى الفطرة التى فطر الناس عليها فى توحيد الله، فكل مولود يولد على الفطرة، وعلى ذلك فلو لا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه حتى يسود قلبه بالشرك لما حال من العهد، فقد صار قلب ابن آدم محلا لذلك العهد والميثاق، وصار الحجر محلا لما كتب فيه من ذلك العهد والميثاق فتناسبا، فاسود من الخطايا قلب ابن آدم بعد ما كان أبيض لما ولد عليه من ذلك العهد، واسود الحجر بعد بياضه. وكانت الخطايا سببا فى ذلك حكمة من الله تعالى. انتهى.
الرابعة: قد اعترض بعض الملحدين على الحديث المتقدم آنفا فقال: إذا سودته الخطايا ينبغى أن تبيضه الطاعات، أجاب ابن قتيبة عن ذلك بأنه لو شاء الله لكان، ثم قال:
أما علمت أيها المعترض أن السواد يصبغ به ولا ينصبغ، والبياض ينصبغ ولا يصبغ به.
مطلب: الحكمة فى تغيير الحجر الأسود إلى السواد
الخامسة: روى عن ابن عباس أنه قال: إنما غير بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة. قال المحب الطبرى: إن ثبت هذا فهو الجواب، قال ابن حجر: أخرجه الجندى فى «فضائل مكة» بإسناد ضعيف، وقيل: إن شدة سواده أن الحريق أصابه مرتين فى الجاهلية والإسلام، وسيأتى الكلام فى سبب الحريق فيما بعد إن شاء الله تعالى.
Bogga 40