شرح هذه الأربعين قد تعقب على جامعها، ﵀، تركه لحديث: "أَلْحِقُوا الفِرَائِضَ بأهْلِهَا، فما أبْقَتِ الْفَرائِض فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَر" لأنه الجامع لقواعد الفرائض التي هي نصف العلم، فكان ينبغي ذكره في هذه الأحاديث الجامعة .. فرأيت أنا أن أضم هذا الحديث إلى أحاديث الأربعين التي جمعها الشيخ ﵀، وأن أضم إلى ذلك أحاديث أخر من جوامع الكلم، الجامعة لأنواع العلوم والحكم، حتى تكمل عدة الأحاديث كلها خمسين حديثًا".
وهذه الأحاديث المضافة شطران: منها ما يتعلق بالأحكام، وهي التي أوردها بعد حديثِ الفرائض مباشرة، ثم أربعة ختم بها إضافته، تتعلق بالآداب والأخلاق، ختامها حديث "لا يَزَالُ لِسَانُك رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ الله" .. بينما كان ختام الأربعين النووية: الحديث الذي يرويه التِّرمذي عن أنس بن مالك، ﵁، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدَمَ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَني وَرَجَوْتَنِي، غَفَرتُ لَكَ علَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالي. يا ابْن آدَمَ! لَوْ بلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفرْتَني غَفَرْتُ لَكَ. يا ابن آدمَ! إِنِّك لَوْ أَتيتني بِقُرابِ الأَرضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقيتَني لَا تُشْرِك بِي، لأَتيْتُك بِقُرابِهَا مَغْفِرَةً".
هذا، والحديث الفاتح للكتاب كله، هو قول الرسول ﷺ: "إِنَّمَا الأَعَمْالُ بالنِّيَّاتِ، وإِنَّما لِكُل امْرئ ما نَوَى .. " وبه صدر الإمام البخاري كتابه الصحيح، وأقامه مقام الخطبة.
ففي الحديث الفاتح، يتابع النووي وابن رجب اختيار البخاري، ويعقب ابن رجب على هذا بأقوال سلفنا الصالحين، في مكانة هذا الحديث، وأنه من أصول الدين، فهو عندهم أحد حديثين، أو ثلاثة أو أربعة، بها نجاة المسلم في دنياه وأخراه.
وإذا ما كان هناك اتفاق على اختيار هذا الحديث فاتحًا لأكثر من كتاب من كتب الحديث -ولهذا ما يبرره- فإن اختيار حديث يختم المجموعة المختارة جاء متسقًا معها، ثم جاءت الإضافة الجديدة، ولها -هي الأخرى- خاتمتها المرتبطة بها.
وكتاب ابن رجب في هذا أقرب ما يكون إلى هندسة معمارية، لمسجد كبير، محرابه قديم، وإليه تتجه الأنظار والقلوب، وهو قول الرسول ﷺ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات .. " ثم تتعدد بعد هذا أروقته وأبوابه عند كل إضافة جديدة.
ما اختاره النووي يصلح أن يكون ختامًا .. إنه طلب الاستغفار بعد العمل الصالح ..
1 / 35