٢ - حضارة متكاملة:
وابن رجب حنبلي المذهب، والنووي شافعي، وشروح الأحاديث لا يعتمد ابن رجب فيها على منهج النووي في تراجم الرواة، وتفسير ألفاظها .. بل لا يفيد نفسه بنطاق السنة النبوية وحدها .. وإنما يتأسى بروح القرآن والسنة من طلب المعرفة والتحليق في آفاقها، بقدر ما أتاحته له ثقافته وثقافة عصره.
وتقرأ الصحيفة من هذا الكتاب، فينقلك ابن رجب من آية كريمة، إلى حديث شريف، إلى أقوال أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، وتلاميذهم، ثم يأخذ بيدك إلى رقائق الصوفية، فتلقى ذا النون المصري، وسهلا التسترى، وابن المبارك .. ويقدم إليك نماذج من الشعر يُسندها تارة إلى أصحابها. وإذا ما تحدث في موضوع علمي؛ استند إلى أقوال الخبراء فيه. ففي حديث عن معنى "أمشاج" يقول: "وفسر طائفة من السلف أمشاج النطفة بالعروق التي فيها .. وقد ذكر علماء الطب ما يوافق ذلك".
* * *
وابن رجب يجمع في هذا بين علوم الرواية والدراية .. ويعطينا صورة عن الآفاق الرحبة، وتكوين رجل الدين: فهو متفاعل مع عصره، جامع لثقافته، يضع بيت الشعر -إلى جانب الرأي الطبي، ويستطيع أن يَنْسِج من مصادر دينه، والثقافة المعاصرة رداء يجمع بين الأصالة والتجديد، قوي الروابط بمصادر دينه. وهي الأساس العريض القوي الذي يقوم عليه الكتاب، متصلا بتيارات الحياة المتدفقة من حوله على هدى وبصيرة.
٣ - بناء الكتاب:
هناك إذن تواصل حضاري، وتفتح على آفاق المعرفة، ولكن ما الأساس الذي اختيرت عليه هذه المجموعة من الأحاديث؟ وما دلالة "جوامع الكلم" التي جاءت به، على صورة المجتمع الإسلامي؟
وهل للاختيار، ثم الإضافة من قاعدة؟
الذي يستوقف النظر لأول وهلة، ما ساقه ابن رجب من مبررات لإضافته إلى ما رواه النووي في الأربعين: فهو يذكر في مقدمته (ص ٥١ - ٥٢): "وقد كان بعض من
1 / 34