لأبنائه من طلاب العلم الذين يفدون إليه من أرجاء العالم الإسلامي، تجمع بينهم أخوة الإسلام على اختلاف ألسنتهم وألوانهم. ولكل منهم فيه رواق، ولهم جميعًا قبلة واحدة، وهدف واحد. وتأتي الأيدي المؤمنة لتضيف إلى الأزهر مباني جديدة: وأنت إذا زرته رأيت فيه مدارس ترجع إلى القرنين: الثامن والتاسع الهجري .. وقبابا ومنائر، وأروقة وتجديدات لاحقة، وإضافات معاصرة لكليات جديدة ومدنا جامعية .. ولا زالت العناية به مستمرة والحمد لله.
* * *
ولنا أن نتساءل عن سر هذا التواصل الحضاري، الذي جمع القلوب حول بيوت أذن الله أن ترفع، وَيُذْكَرَ فيها اسمه، وحول كتب علمية ظلت العناية بها مستمرة عبر الأجيال، وأعطى الحضارة الإسلامية هذا الطابع الكريم الذي تراه في المسجد، كما تراه في حلقات العلم؟
إن القرآن الكريم يعطينا الإجابة. وأخلاق الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه نموذج تطبيقي للقرآن الكريم.
يقص علينا ربنا، ﵎، أخبار النبوات السابقة. ويختار لنا أحسن القصص ويعقب على هذا بقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (^١) ولا تقتصر الأسوة على الأنبياء وحدهما، وإنما تمتد إلى الصالحين من أتباعهم، فيقول ربنا مخاطبًا المؤمنين: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ (^٢).
* * *
فالنماذج القرآنية لها عمقها الزماني الذي يبدأ بقصة آدم، ولها امتدادها المكاني الذي يصل إلى مطلع الشمس ومغربها، وتنوعها الموضوعي الذي يشمل أبعاد الحياة. وكل أولئك يؤمن به المسلم، وهو يقرأ كتاب الله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (^٣).
وتأتي حياة الرسول استمرارًا لجهاد من سبقه من الأنبياء والمرسلين. ويروي البخاري
_________
(^١) سورة الأنعام: ٩٠.
(^٢) سورة الصف: ١٤.
(^٣) سورة البقرة: ٢٨٥.
1 / 32