تقديم الكتاب والتَحقِيق
بقلم
الدكتور/ عَبْد العَزيز كامِلْ
وَزير الأوقافُ وَشئون الأزهر
سَابقًا
١ - نموذج للتواصل الحضاري:
" جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي المتوفى سنة ٧٩٥ هـ نموذج معبر عن روح الحضارة الإسلامية، بما تحمل من قيم، نحن أحوج ما نكون إليها في تطورنا المعاصر.
يبدأ الكتاب من بذور كريمة تلقى في أرض الإسلام، وتتعهدها الأيدي المؤمنة حفظًا ورعاية، فتصبح شجرات طيبة ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾. هذه البذور باقة مختارة من "جوامع الكلم" من أحاديث الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، تجمع بينها ميزة مشتركة: أنها تضم المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، وهي مما اختص الله به رسوله.
ويقص ابن رجب قصة التعاون العلمي المبذول في هذا المجال: ما جاء به الخطابي في أول كتابه: "غريب الحديث"، وما أملاه أبو عمرو بن الصلاح، وكانت ستا وعشرين حديثًا، ويأتي أبو زكريا النووي فيزيد عليها تمام الاثنين والأربعين، ويصل بها ابن رجب إلى تمام الخمسين. وهي التي يتناولها هذا الكتاب شرحًا مستفيضًا.
هذه هي القيمة الأولى للكتاب .. قيمة التواصل الحضارى بين الأجيال المتتابعة من علمائنا، وإشادة الخلف بجهد السلف الصالح، دون غمط لحق، أو إهدار لإضافة ولا تقتصر هذه الظاهرة على المكتبة الإسلامية، وإنما نستطيع أن نتتبعها في كثير من مظاهر حضارتنا: ولنأخذ العمارة مثلًا، مكتفين بالأزهر الشريف.
ونحن نحتفل الآن بمرور ألف عام على بدء التدريس به.
المسجد بناه جوهر الصقلي في عهد المعز لدين الله الفاطمي.
وجوهر قائد مهاجر، جاء من المغرب، يرجع بأصله إلى جزيرة صقلية. وتمر أيام الدولة الفاطمية، وتتعاقب الدول، ويقيض الله للأزهر من يوقف عليه الأموال؛ رعاية
1 / 31