واختلفوا فيمن مسح عليهما فنحن معهم فيما اتفقوا عليه، والإجماع حجة، والاختلاف ليس بحجة. اختلف الناس في غسل بعض الأعضاء، فقال بعضهم: يجوز تقديم ما تأخر ذكره في تلاوة الآية، وقال بعضهم: لا يجوز إلا على الترتيب الذي ذكره في التلاوة. وذهب أصحابنا إلى جواز التقديم والتأخير ما لم يقصد المتطهر بذلك الفعل مخالفة السنة؛ والنظر عندي يوجب أن يكون على الترتيب الذي ذكره في الآية، لأن قوله عز وجل: { ?فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } (¬1) ، قالوا: و (¬2) هنا واو النسق. قال صلى الله عليه وسلم على الصفا: (ابدؤا بما بدأ الله به) (¬3) ، فدل بسنته عليه السلام على أن فعل ذلك يكون متواليا، فإن عارض معارض بقول الله تعالى: ? { ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } (¬4) ، فقال: أرأيت لو قدم الطواف أو أتى الأول من المذكور في الآية أليس كان جائزا، فما أنكرتم (نسختين) أنكرت أن يكون هذا مثله؟ يقال له: إن الذي عارضت به لا يلزم، وذلك أن المذكور ها هنا فرض وغير فرض، فلا بأس بتقديم بعضه على بعض؛ لأن الطواف بالبيت فرض عليه، فالواجب تعجيله، فإن أخر ما ليس بفرض مما ليس له وقت معلوم فلا بأس بذلك، فإن احتج محتج بقول الله تعالى: { ?يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } (¬5) ، فقال: أليس مأمورة بالسجود قبل الركوع، وعليها الركوع قبل السجود، وإن كان ذكر السجود هو المتقدم؟ قيل له: الانفصال من ذلك قريبا إن شاء الله. وذلك أن التعبد كان لمريم عليها السلام في خاصة نفسها وكان ذلك التعبد لأهل ذلك العصر. والتعبد علينا خلافه، لأن الله جل ذكره قال: { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } (¬6) ،
¬__________
(¬1) المائدة: 6.
(¬2) في (أ) و (ج) قالوا وها.
(¬3) متفق عليه.
(¬4) الحج: 29.
(¬5) آل عمران: 43.
(¬6) الحج: 77..
Bogga 168