وإن نحن سألناهم عن الفقهاء قالوا: علي، وعمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب. على أن عليا كان أفقههم، لأنه كان يسأل ولا يسأل، ويفتي ولا يستفتي، ويحتاج إليه ولا يحتاج إليهم، ولكن لا أقل من أن نجعله في طبقتهم وكأحدهم.
وإن نحن سألناهم عن أهل الزهادة وأصحاب التقشف، والمعروفين برفض الدنيا وخلعها والزهد فيها، قالوا: علي، وأبو الدرداء، ومعاذ، وأبو ذر، وعمار، وبلال، وعثمان بن مظعون. على أن عليا أزهدهم؛ لأنه شاركهم في خشونة الملبس وخشونة المأكل، والرضا باليسير، والتبلغ بالحقير وظلف النفس عن الفضول، ومخالفة الشهوات. وفارقهم بأن ملك بيوت الأموال، ورقاب العرب والعجم، فكان ينضح بيت المال في كل جمعة، ويصلي فيه ركعتين. ورقع سراويله بأدم، وقطع ما فضل من كميه عن أطراف أصابعه بالشفرة، في أمور كثيرة. مع أن زهده هو أفضل من زهدهم؛ لأنه أعلم منهم. وعبادة العالم ليست كعبادة غيره، كما أن زلته ليست كزلة غيره، فلا أقل من أن يعد في طبقتهم.
Bogga 209