وهذا الباب متى فتحه الإنسان على نفسه ربما عجلت له عقوبة بإهانة الخلق له، واستخفافهم به، وتحقيرهم له عند أن يفرغ ماله لهم، ويبذل جاهه من أجلهم، ويشح ببذل روحه في بعض مقاماتهم، فإن كل ماقدمه إلى من قدمه يعود عليه لاله عند ضعف أحواله، وهذا أمر معلوم بالتجربة، وهذا مع وبال العاقبة، وكثرة المقت من الله تعالى، وهل رأيت عاقلا يختار لنفسه أن يكون خادما لعبد من عبيد الملك، بل لأرذل عبيده، وهو من يستخدمه الملك في الكنس للبيوت، وتحت الحيوانات لما يخرج منها، وطلب بذلك العزوالشرف عند هؤلاء العبيد مع أنه لوشاء أن يدخل مع أعلى خدم الملك لدخل، ولصار شريفا عنده وعند كافة أهل مملكته، واليا لأمورهم، هذا لايختاره عاقل لنفسه، ولايرى أنه يصرف وجهه إلى الأراذل، ويطلب منهم الثناء دون الأفاضل، ولهذا الوجه وماتقدم اختار كثير من العلماء العاملين بعلمهم الخمول، وافناء الذكر، والخشونة في الهيئة والصورة، وفي الثياب والمشية، من غير إخلال بما يجب مما يعتاد أنه يطلب به الذكر، لكنهم يجعلونه خالصا لله تعالى.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (كم من عاقل عقل عن الله أمره وهو حقير عند الناس ذميم المنظر ينجو غدا، وكم من ظريف اللسان جميل المنظر عند الناس يهلك غدا يوم القيامة)(1).
Bogga 78