(حب الدنيا رأس كل خطيئة)(1) فعرفت صحة هذا المثال بالدار التي ذكرت لك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الطمع يشرب القلب شدة الحرص، فعرفت أنه يسقيه الحرص، والحرص هو أحد السيئات التي هي خلف كل باب، فإنه لاينال شيي فيها إلا لحرص عليه، ثم إذا أكثر
منه ختم على القلب بطابع حب الدنيا، فعرفت صحة ماذكرنا.
فلنشرع الآن في ذكر عظائم مايفتح الطمع أبوابها، ويكشف نقابها، وإن كنا لانحصيها هنا جميعها، ولكنا نكتفي بذكر اليسير فهو يدل على الكثير.
انفتاح باب العشق والتمني بمالايجوز.
اعلم أن هذا الباب من أضر الذنوب لصاحبها، فإنه يقل الحياء، ويرفع الوفاء، ويكسب الذل والعبودية، ومن كلام بعض الحكماء: "عبد الشهوة أذل من عبدالرق". ثم هو يورث الندامة والحسرة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حديث:
(ألا رب شهوة ساعة أورثت حزنى طويلا)(2).
وعن بعض الحكماء:(من أرضى الجوارح بالشهوات فقد غرس في قلبه شجر الندامة).
وصاحبه لايقع منه على محصول، ولاينتهي فيه إلى غاية، إلا وهي عليه أشد وأصعب دينا ودنيا، وهو من أرذل الذنوب وأسخفها، وهو معدود عند الحكماء من باب الجنون، ولايغرنك قول من يقول: الشهوة من الله تعالى. فهو كذلك، ولكن التمني والتذكر والتصور والتفكر لما يزعج النفس ويحرك الأعضاء، وهو عين الذنب والمعصية، بل هو زنى القلب وفاحشته.
Bogga 73