وأقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن جميع المعاصي الباطنة والظاهرة إنما تقع وتحدث بسبب الشغف بالدنيا والحب لها، نحو الطمع والحرص، والأمل والحسد، والرياء والعجب، والكبر وحب الشرف والذكر، وغير ذلك من بنات الهوى، ونتاج حب الدنيا؛ فإنه لولا توهج الشهوة والحب ماثبتت هذه الخبائث في القلب، فالشهوة بمنزلة بان ابتني دارا عظيمة وسيعة، مزوقة الظاهر، شويهة الباطن وهي حب الدنيا، وجعل فيهابيوتا كثيرة، بحسب الخبائث التي في القلب، وجعل في كل بيت منها سيئة، وعلى كل بيت منها باب مغلق، على كل باب منها مفتاح وهو الطمع، وهو أحد تلك الخبائث لم يجعل منها شيئا ظاهرا سواه، فإنه مفتاح لجميع أنواع حب الدنيا المنغلقة على هذه الخبائث والرذائل، ولهذا المفتاح وهو الطمع. في كل باب منها سلسلة منخرطة إلى داخل البيت، مربوطة بكاس فيه ماء الحرص، فلا ينفتح باب بهذا المفتاح إلا وانفتحت جميع الأبواب بسبب دواليب مصنوعة فيها، وإن اطلع في ذلك البيت أحد بعد الإنفتاح أخذه، وهيج حب الدنيا والضمأ إليها، وصار ملجأ إلى الشرب من ذلك الماء الذي هو الحرص، وهو يأتيه أعني كأس الماء في حال اطلاعه بسبب جذب المفتاح الذي هو الطمع له عند الفتح، فإن الطمع جاذب للحرص لا محالة، وعلى حسب شربه تكون نجاته وعطبه، فإن أكثر من شرب الحرص حتى تظهر علامة حب الدنيا في قلبه، وينتقش خاتمها على لبه، دل ذلك على استحكام الداء الذي لايحصل له دواء وهو الرين. الرين الذي قال الله تعالى:(كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون)(1) وإن قل من شرب الحرص، وعاجل مداواته بدوائه أمن من شر بلائه، فهذا مثال حب الدنيا مع سائر الخطايا فافهم، فإنه مأخوذ عن الحكمة النبوية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حديث: (إياكم واستشعار الطمع فإنه يشرب القلب شدة الحرص، ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا)(2).
وهو مفتاح كل سيئة، وسبب إحباط كل حسنة، فأنبأنا الصادق المصدوق عليه وعلى آله السلام أن الطمع مفتاح كل سيئة، فعرفت أن السيئات كالمغلق عليها باب، والباب لايكون إلا على دار جامعة لها، وليس ذلك إلا حب الدنيا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
Bogga 72