ولكن حياتنا على الشجرة أكسبتنا ميزة أخرى لا تقل عن ميزة الاعتماد على العين؛ أي: على العينين معا، دون الاعتماد على الأنف، هي ميزة استخدام اليد للتناول، فإن التسلق على الشجر يهيئ اليد والأصابع للتناول؛ لأننا تعلمنا من القبض على الغصن كيف نقبض بعد ذلك على العصا أو الحجر، وكيف نتناول الثمرة باليد وننقلها إلى الفم بدلا من أن نمد شفتينا إلى الثمرة، وساعدنا هذا على وضع جديد للوجه البشري؛ لأن الفكين تراجعا للوراء ورقت الشفتان، فصار لنا وجه مستقيم عموديا ولا يبرز منه الفكان من أسفل، وساعدنا هذا بعد ذلك على أن نتخذ الوضع العمودي لأجسامنا بدلا من الوضع الأفقي الشائع بين الحيوانات.
اعتبر مرة أخرى الميزات العديدة التي نلناها من حياة الشجر: (1)
إن عقلنا أصبح عقل العين بدلا من عقل الأنف، عقل الآفاق البعيدة والمقارنة الكثيرة، وما زلنا نقول: ما رأيك؟ يجب أن تتبصر، وهذا هو التفكير العيني. (2)
واكتسبنا أيضا القامة العمودية، وكان تسللنا على الشجر هو التدريب الأول لذلك. (3)
اكتسبنا من الشجر استعمال اليد لتناول الطعام وغيره بدلا من استعمال الفم. (4)
واكتسبنا هذا الوجه البشري الذي لا يبرز فيه الفكان؛ لأننا لم نعد نتناول الطعام بالشفتين.
ولكن حياة الشجر علمتنا أيضا أخلاقا جديدة، ما كنا لنصل إليها لو أننا بقينا على اليابسة، منها عناية الأم بأطفالها أو هذه الأمومة البشرية في التزامها لأطفالها مدة طويلة، وكذلك اعتماد الأطفال على الأم، وهذه المدة الطويلة قد هيأت الفرصة للتربية.
ذلك أن سكنى الشجر لغير الطيور خطرة على حيوان لبون لا يطير إذا هاجت الريح وضربت الغصون، أو إذا تسلق ثعبان وحاول أن يأكل الصغار، وهي أخطر على الأطفال الذين يجب أن تحرسهم الأم وتدأب في المحافظة عليهم من السقوط أو من عادية الوحش، وهنا الفرصة العظيمة للنمو العقلي مدة الطفولة.
ونستطيع أن نصف الإنسان منذ بداياته الأولى بأنه حيوان عيني، لا حيوان أنفي، وأنه أيضا حيوان عمودي لا حيوان أفقي، وأنه أيضا حيوان يدوي.
ولكن هذه البدايات نجدها جميعا في الليمور الذي تنأى أصوله إلى ماض سحيق، برهاننا عليه أنه كان يعيش قبل الانفعال الجيولوجي بين إفريقيا وإندونسيا حيث لا يزال هو إلى الآن يقيم في هاتين المنطقتين: مدغشقر وإندونيسيا.
Bog aan la aqoon