الوجه الثامن: أن النبي ﷺ شرع للغضبان أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يتوضأ، وأن يتحوَّل عن حالته؛ فإن كان قائمًا فَلْيَقعُدْ، وإذا كان قاعدًا فليضطجع، قال: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" (^١).
وهذا يدل على أنه محمولٌ عليه من غيره، وأن الشيطان يُغْضِبُه لِيَحْمِلَهُ بغضبه على فعل ما يُحبُّه الشيطان، وعلى التكلُّم به. وما يضاف إلى الشيطان مما يكرهه العبد ولا يحبُّه، فلا يؤاخذ به الإنسان، كالوسوسة والنسيان، كما قال فتى موسى لموسى: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣].
فاللهُ وتعالى لا يؤاخِذ بالوسوسة، ولا بالنسيان؛ إذ هما من أثرِ فِعْلِ الشيطان في القلب، وقد أخبر النبيُّ ﷺ أن الغضب من الشيطان، فيكون أثرهُ مضافًا إليه أيضًا، فلا يُؤَاخَذُ به العبد، كأثر النسيان، فإنه لو حلف أن لا يتكلم بكذا فتكلم به ناسيًا لم يحنث؛ لعدم قصده وإرادته لمخالفة ما عَقَد يمينَه عليه، وإنْ كان قاصدًا للكلام، فإنه لم يقع منه إلا بقصده وإرداته.
وهذه حالُ الغضبان، فإنه لم يقصد حقيقة ما تكلم به وموجَبه، بل جرى على لسانه كما جرى كلام الناسي على لسانه، بل قَصْدُ الناسي
_________
= كون إرادة التحصُّن في حيِّز التردُّد والشك، فكيف إذا كانت محققه الوقوع؟. (القاسمي).
(^١) تقدم تخريجه (ص: ١٥).
1 / 37