120

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

٣- انصرافه إلى العلم

١٢٨- قد يتهيأ لطالب العلم مدرسة علمية توجهه، واطلاع حسن يغذيه، وتواتيه مواهب ومدارك تتقبل ما يتلقاه وتنميه، ولكنه بعد هذه الاستعدادات، وتلك الوسائل الموصلة تشغله الحياة المادية، أو المناصب، أو الرياسة عن استغلال هذه الأدوات، فلا يكون عالماً بين العلماء؛ لأن مشاغل الحياة، أو المنصب، أو الرياسة أخذت جزءاً من نشاطه وحيزاً من مواهبه؛ أو جعلت العلم في المرتبة الثانية من نفسه.

ولذلك نقول إن العالم لا يعد في صفوف العلماء لمواهبه واستعداده وتلقيه واطلاعه فقط؛ بل لا بد مع ذلك من انصرافه للعلم بكليته. وكذلك كان ابن تيمية. انصرف للبحث والإفتاء انصرافاً تاماً. وكان العلم والدفاع عن الحقائق الإسلامية التي انتهى إليها بغيته التي يبتغها، وغايته التي يغياها رضي الله عنه.

((ولذلك ما خالط الناس في بيع ولا شراء ولا معاملة ولا تجارة ولا مشاركة، ولا مزارعة ولا عمارة، ولا كان ناظراً لوقف أو مباشراً لمال. ولا كان مدخراً ديناراً ولا درهماً ولا متاعاً ولا طعاماً، وإنما كانت بضاعته مدة حياته وميراثه بعد وفاته رضي الله عنه - العلم اقتداء بسيد المرسلين الذي قال: «العلماء ورثة الأنبياء، لأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر (١))).

١٢٩- ولم يعرف أن ابن تيمية ترك صومعة العلم إلا لحمل السيف مجاهداً، ومحرضاً للمؤمنين على القتال؛ وذلك لأنه إذا سوغ للعالم أن ينصرف عن كل شيء إلا العلم ما دام قد يسر الله ما يكفيه وأهله بالمعروف برزق يجري عليه أو مال

(١) الكواكب الدرية في ضمن المجموعة التي طبعها الكردي ص ١٥٠.

119