121

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

أدخره لديه فإنه لا يسوغ له أن ينصرف عن الجهاد في سبيل الحق والإسلام بسيفه وقلمه ولسانه.

وإن الذي حدث في دمشق عندما امتشق المسلم أن كبراءها تركوها! ولم يكن جند منتظم يحميها، فكانت الحال تجعل الحرب من أمثاله فرض عين لا فرض كفاية يترك للمختصين؛ فكان حقاً عليه أن يحارب، وأن يتولى الدفة كما يحدث عند اندلاع نار، فإن كل القريبين منها يتحركون لإطفائها، ولا يتركونها إذا لم يكن مختصون بالإطفاء؛ بل يسارعون حتى لا تمتد النيران..

وإن تقدمه في هذه الحال قد جعله يخبر نفوس الحماة، فوجدهم متقاعسين عن النصرة إلا بالتوجيه والإرشاد فتولاه، وطلبوه ليكون بجوارهم فيقبسوا من نوره وإيمانه؛ ويأخذوا جذوة من حرارة نفسه؛ فيندفعوا إلى اللقاء.

فما كان حمله السيف مجاهداً انصرافاً عن العلم ليحترف القتال؛ بل كان تطبيقاً للعلم، وتقوية له بالعمل به إذ قد رأى علماء الصحابة فرساناً مجاهدين؛ وهو يتأثر طريقهم، ويقتفي آثارهم، فتقدم للميدان مقتدياً بهم ليتلاقى علمه وعمله، ويكون المقتدى به في الراحة والبأس.

١٣٠- وإنه مع انصرافه للعلم قد وجد الزمان يفرض عليه أمرين (أحدهما) أن يقف بالمرصاد للمهاجمين للحقائق الإسلامية من النصارى الذين كانوا يرابطون في قبرص وغيرها بعد غارات الصليبيين. (وثانيهما) أن يقف بالمرصاد للنحل المختلفة التي تسربلت بسربال الإسلام، ولبست لبوسه وهي تكيد له في الباطن. هذان الأمران جعلاه يجرد سيف البيان على الفريقين، وهذا يستدعي قراءة واطلاعاً، وانصرافه وقتاً طويلاً إلى الدراسة العميقة؛ فدرس النصرانية وطوائفها وفرقها، وتحريفاتها للأناجيل عن موضعها؛ ورد عليها ذلك الرد المفحم.

ولقد درس الأصول الفلسفية التي بنت عليها الفرق الإسلامية المنحرفة مذاهبها ومناهجها، أو حاولت أن تستعين بها لتأييد انحرافها. درس ذلك كله، ثم تقدم

120