Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
١٢٦- وهكذا نستطيع أن نقرر غير مبالغين أنه قرأ كتب العلوم الإسلامية، وكتب الفلاسفة التي كانت معروفة في عصره؛ ويظهر أنه لم يكتف بذلك، بل قرأ كتب النصارى، والأدوار التي مرت عليها عقائد النصارى، دراسة فاحصة، وليس شيء أدل على ذلك من كتابه «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح»، فهو قد رد أقوالهم رد العارف لمذهبهم، المدرك لأدوار عقيدتهم؛ وما كان لمثله أن يحكم على شيء قبل معرفته وتصوره.
وفي الجملة كان يعد نفسه للدفاع بالإسلام في كل ميادين الهجوم، فكان يعد الأسلحة التي يشن بها الغارات على من يتصور منهم الهجوم، وتلك الأسلحة هي علمه بما عليه أولئك المهاجمون.
١٢٧- من هذا السياق يتبين أن ابن تيمية تلقى العلم من شيوخه أولاً، ثم من الكتب ثانياً، وقد تلقى علم الكتب أكثر مما تلقى من علم الشيوخ؛ فإن الأولين وجهوه في صدر حياته، ووقفوه، واكتفى منهم بعد أن شدا بأن سمع كتب الحديث منهم ليتلقى الإسناد كاملاً؛ وليكون أخذه الحديث بالسماع، لا بمجرد القراءة في الكتب التي قد يكون فيها تصحيف أو تحريف، فيأخذ الحديث محرفاً.
أما العلوم الأخرى فقد اتجه فيها بنفسه، وشأنه في ذلك كشأن كل عالم مستقل الفكر والرأي والنظر، يقرأ على الرجال القليل، ثم يعتمد على نفسه ودراسته الخاصة وبحثه في الكثير، فيكون نفسه، ويوجه قلبه وفكره، ولهذا نقول إن من تلقى عليهم من الماضين الذين لم يشافهم أكثر كثرة كبيرة من الشيوخ الحاضرين الذين لقيهم، وشافههم.
ولو أن الوقائع تسعفنا لحاولنا أن نبين في كل دور من أدوار حياته ما قرأ؛ فتعرف الدور الذي درس فيه العلوم الدينية ما بين تفسير وحديث وفقه وعلم كلام، ثم نعرف الدور الذي درس فيه العلوم العربية دراسة فاحصة ناقدة، ثم الدور الذي درس فيه الفلسفة والحكمة والكونيات، ولكن لا يسعفنا التاريخ بذلك. فلنكتف بأن نقول إنه درس كل ذلك، ولا ينقصنا العلم بالزمان.
118