Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Noocyada
من هذه التلميحات نعرف كم هي طفيفة ناحية الإبداع في نظرية الصدور عند ابن سينا، وكيف أنها لا تستحق الاهتمام حتى في العصور الغابرة؛ لأن الغزالي قد وضعها في مصاف التعاليم الزائفة، وخاطب صاحبها مع أصحاب المذاهب الفاسدة بهذه اللهجة القاسية:
ما ذكرتموه تحكمات، وهو على التحقيق ظلمات فوق ظلمات لو حكاه الإنسان في نومه عن منام رآه لاستدل به على سوء مزاجه.
6 (5) بين ابن سينا والقديس توما
معلوم أن الرئيس بنظرية الصدور قد أراد التوفيق بين الفلسفة والدين كما صنع من بعده القديس توما الأكويني، ولكن هل توفق في مهمته هذه؟
إن أرسطو الإسلام بنظريته هذه المليئة بالأشباح والكثيرة التمويه قد رجع بصفقة المغبون؛ لأن فيها ما يناقض الفلسفة والدين: فما يناقض الفلسفة قوله بأن العقل الأول الصادر عن الله ممكن بذاته وواجب بالإله، فمن أين جاء هذا الإمكان؟ وكيف تولد الوجوب؟ إن الرئيس لا يجيب عن هذه المسألة، ومما يعاكس الدين قوله بصدور العقل الأول عن الله ...
أما أرسطو النصرانية فإنه كان أكثر تأدبا وأعمق تفكيرا من الشيخ، فميز بدء بدء بين العقل والإيمان، فبموجب القوى العقلية لا يمكن أن نقيم البرهان على حدوث العالم من جهته؛ لأن مبدأ البرهان هو الحد بالماهية، وماهية العالم تحتمل البرهانين القديم والحديث.
وكذلك لا نقدر أن نقيم البرهان على حدوث العالم من جهة العلة الفاعلة التي تفعل بالإرادة؛ لأن إرادة الله لا يستطاع البحث عنها بالعقل إلا بالنظر إلى ما يريده الله بالضرورة المطلقة، وما يريده الله بالنظر إلى المخلوقات، فليس يريده بالضرورة المطلقة، فإذن لا نستطيع بقوة العقل الطبيعي أن نعرف هل أن الله خلق العالم قبل الزمان أم بعده؟ أما بحسب الإيمان فيتحتم علينا أن نعتقد أن العالم حديث؛ لأن الله كشف إرادته الإلهية للإنسان بالوحي الذي إلى ذراعه يستند البشر؛ فإذن يكون حدوث العالم عقيدة إيمانية، ولا يمكن إثباته بطريقة البرهانية، وهكذا دقق ابن أكوينيا بين الفلسفة والوحي بهذه القضية.
كذلك قد أنحى القديس توما على ابن سينا باللائمة، وأبطل زعمه القائل بأن الجوهر الأول المفارق المخلوق من الله خلق جوهرا آخر بعده؛ لأن العلة الثانية الآلية لا تشترك في فعل العلة العالية إلا من حيث تساعد على وجه التهيئة بشيء خاص لها على مفعول الفاعل الأصيل. ألا ترى أن المنشار بالخاصة التي له يصدر من قطعة الخشب صورة الكرسي التي هي مفعول خاص للفاعل الرئيسي، والمفعول الخاص لله الخالق هو ما يكون سابقا على جميع ما سواه وهو الوجود المطلق؛ فإذن لا يمكن لخليقة أن تخلق لا بقوتها الخاصة، ولا بوجه الآلية والاستخدام.
أما التوفيق بين المبدأ القائل بأن عن الواحد لا يصدر إلا واحد، وبين مقدرة الله على إيجاد الكثرة، فيكون على هذا النمط أن الفاعل بالطبع يفعل بالصورة التي هو بها موجود، والتي هي في الواحد واحدة فقط؛ ولذا ليس يفعل إلا واحدا فقط. أما الفاعل الإرادي كالله في مخلوقاته فيفعل بالصورة المعقولة؛ فإذن لما كان تعقل الله أمورا كثيرة لا ينافي وحدانيته وبساطته؛ بل يجعله أكثر كمالا وأسمى مقاما يلزم أنه - وإن يكن واحدا - يقدر أن يصنع أشياء كثيرة، وبهذا القدر كفاية لقوم يعقلون.
الفصل العاشر
Bog aan la aqoon