Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Noocyada
إن التعقل في الجواهر المفارقة مقارن للإبداع، فإذا قلنا: إن الجوهر المفارق الفلاني قد تعقل شيئا ما فكأننا نقول إنه قد أبدع ذاك الشيء نفسه.
ثالثا:
ما ليس واجب الوجود بذاته يكون ممكنا بذاته واجبا بغيره، وبما أنه لا يوجد سوى واجب وجود واحد فينتج أن كل ما هو بمعزل عن واجب الوجود لا يملك إلا وجودا ممكنا.
وإذا مزجنا هذه المبادئ مزجا محكما وأفرغناها على الله وباقي العقول المفارقة يصدر عنها الكون على المنوال الآتي: (3) جرم هذه النظرية
إن الله إذا عقل ذاته صدر عنه العقل الأول الذي لا يقدر أن يكون إلا واحدا؛ لأن من الواحد لا يشتق إلا الواحد، وعندما يعقل العقل الأول الله يصدر عنه عقل ثان، ولما يعقل ذاته تشتق من تعقله لها نفس الفلك الأول وجسمه؛ فالنفس تصدر عن الوجوب الكامن في ذات العقل الأول، والجسم يصدر عما في العقل الأول من الإمكان، فهناك إذا مثلث يفيض عن العقل الأول العقل الثاني والنفس والفلك الأول، ثم إن هذا العقل الثاني واجب بالأول ممكن بذاته؛ فيصدر من تعقله للأول عقل ثالث، ومن تعقله لذاته يصدر نفسا وجسما، ولا يزال هذا التعقل ينتج عقولا ونفوسا وأفلاكا حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر مدبر عالم الكون والفساد؛ فالأمور السماوية إذن تؤلف سلسلة كل حلقة منها تتضمن ثلاثة أشياء؛ فالله لا يبدع إلا العقل الأول. أما العقل الأول فيبدع ثلاثة أشياء: العقل الثاني والنفس والفلك، والعقل الثاني يبدع ثلاثة أشياء: العقل الثالث ونفسه وفلكه، وهكذا إلى أن يصل الصدور إلى فلك القمر وكرة الهواء المحيطة بالأرض.
4
قال ابن سينا: «إن المعلول (الأول) بذاته ممكن الوجود، وبالأول - أي بالعلة الأولى - واجب الوجود، ووجوب وجوده بأنه عقل وهو يعقل ذاته، ويعقل الأول ضرورة، فيجب أن يكون فيه من الكثرة معنى عقله لذاته ممكنة الوجود في حد نفسها، وعقله وجوب وجوده من الأول المعقول بذاته وعقله الأول، وليست الكثرة له عن الأول؛ فإن إمكان وجوده أمر له بذاته لا سبب الأول؛ بل له من الأول وجوده، ثم كثرة أنه يعقل الأول ويعقل ذاته كثرة لازمة؛ لوجوب حدوثه عن الأول.»
5
فتكون النقطة الجوهرية في نظرية ابن سينا الاشتقاقية - إذا جازت لنا هذه التسمية - هي أن العقل الأول واجب بالإله؛ لكي يكون له قوة تمكنه من إصدار موجود روحاني، وممكن بذاته ليقدر على إبراز جسم هيولاني. (4) مصادر هذه النظرية
اقتبس ابن سينا من أرسطو: «أن فوق العالم إلها، وأن هناك أفلاكا ذات حركات مستديرة، وأنها تتحرك تحت تأثير العقول، وأن العالم قديم.»، وأخذ عن أفلاطون وبلوتن: «أن الكثير لا يصدر عن الواحد، وأن الإله يعقل ذاته ويعقل الأشياء على الوجه الكلي، وأن عقله لذاته يولد العقل الأول، وأن العقل يتأمل الواحد ويعود إليه.»، وتناول عن الفارابي قوله في المدينة الفاضلة: «يفيض عن الأول وجود الثاني، فهذا الثاني هو أيضا جوهر غير متجسم أصلا، ولا هو في مادة فهو يعقل ذاته ويعقل الأول ... فما يعقل الأول يلزم عنه وجود ثالث، وبما هو متجوهر بذاته التي تخصه يلزم عنه وجود السماء الأولى.»، فعجن ابن سينا هذه الآراء وأضاف إليها تعاليم بعض المنجمين والطبيعيين؛ لأن هؤلاء كانوا يجدون للأجرام العلوية أفعالا وآثارا في هذا العالم مختلفة تدل على اختلاف طبائعها، ولولا ذلك لما كان قال في نجاته وغيرها نظير هذه الأقوال: «إن إمكان الوجود يخرج إلى الفعل بالفعل الذي يحاذي صورة الفلك» (ص455).
Bog aan la aqoon