إن النيابة في نظر هؤلاء هي كل شيء، وإذا ماتت البشرية فبحفظ القرد.
قال المتنبي في رثاء أم سيف الدولة:
ولا من في جنازتها تجار
يكون وداعها نفض النعال
أما وداع إميل فكان أحلاما وأماني عند هؤلاء. إنهم يشبهون بهلولا عبقريا في منطقتنا اسمه ملحم. ذهب ملحم هذا إلى مناحة كبيرة في ضيعة من بلاد جبيل، وكان الأكل بعد الدفن شهيا وكثيرا، فأكل حتى انبشم وقال لأهل الضيعة بعد الحمدلة: دائما الموت عندكم، كل يوم موتة إن شاء الله.
لا أخال هؤلاء (المستنوبين المستوزرين) إلا قائلين مثل ملحم. بل يقول أكثر من هذا، ذاك الذي يتحدث عن الخلف، في مأتم السلف وهو لم يتوار بعد ... أما خافوا أن يقوم من نعشه وكم من ميت قام، وخصوصا من الذين تأخذهم نوبات كهذه. ترى لو تمهلوا قليلا أكان فات الفوت؟!
فيا عزيزي إميل، كن واثقا أن قول أبي فراس: سيذكرني قومي ... سوف يصح فيك. قد نجد لك ندا في علمك وبلاغتك ونكتتك، ولكننا لا نجد رجلا له نكهتك وطعمك. فالرجل كالأثمار وأنت كنت ثمرة شهية في بستان لبنان.
لقد استعادتك أمك إلى أحضانها فخلا الجو بعدك لمن يبيضون ويصفرون ... ولكن الفراغ الذي تركته لا تملأه النفوس الفارغة، فمن لا يستطيع أن يسد فراغا لا ينفعه فراغ يتركه سواه. لست أعزي أهلك فكلنا لك أهل، وأنت ملك الجميع، ملك لبنان.
إن حلم من كانوا يفكرون بخلفك وهم يسيرون خلف نعشك، سيستحيل كابوسا مزعجا عندما يصير واقعا. فعسى أن تخيب الأيام ظني وأرى على مقعدك من يحقق قول السموأل: إذا مات منا سيد قام سيد ...
إن لبنان غير عقيم، ولكن الشعب الناخب أعمى تقوده عميان، وأعمى يقود أعمى وكلاهما يسقطان في حفرة. فمتى ترتفع الغشاوة عن الأبصار والبصائر، لنرى الشخوص كما هي، ونأخذ بيد كل منها إلى المكان المعد له؟
Bog aan la aqoon