فصاحت والدمعة تجول بين هدبيها: الله يبعد الموت. أي رجل يحلو لي بعدك؟! لا تذكر هذا فالتفكير به يزعجني.
فضحك الرجل وقال: ومن يلومك إذا تزوجت بعدي؟! أنت ما زلت فتية.
فصاحت: قلت لك اقطع هذا الحديث، فإذا كان الزواج للشبع شبعنا. والتوت عليه تدفن في صدره جهشة المتباكي وهي تردد هذه الكلمات متقطعة: تحرم علي الرجال بعدك.
فقال الرجل: هذا كلام فارغ ... فكل ما أرجوه منك يا عزيزتي هو أن لا تعقدي حبلك من جديد قبل أن ينشف تراب قبري.
وما طال الوقت حتى كانت نفس ذاك الرجل في يد باريها، وكان الدفن. ومشت المرأة خلف زوجها إلى حفرته مذرية أغزر الدمع وهم يهيلون التراب عليه، وازداد تفجعها حين عام تراب القبر في الماء.
وراحت تزور قبره يوميا، صباح مساء، وفي يدها مروحة تروح بها على ذاك القبر فتناقلت الناس خبر وفائها لزوجها، وأعجبهم منها أنها تروح دائما فوق قبره كأنها تعتقد أن الحر يؤذي الرفات.
أما المرأة فثابرت على ذلك أياما لتعجل بمروحتها جفاف تراب القبر، ولما تبخر الماء وتفرق شمل تلك الرمال أيقنت أنها وفت نذرها، ثم حققت ما تمناه عليها المرحوم فكانت عروسا جديدة لعريس جديد.
هذه حالة تلك المرأة أما أصحابنا (المستنوبون) فلم يمهلوا الفقيد العظيم إميل لحود حتى يدخل باب القبر ويستريح، بل كانوا يسيرون خلفه متحدثين عمن يرشحون.
حقا إن عشقنا الأعمى للمناصب يعمي ويصم، ويعدمنا الذوق. أما استحى هؤلاء الماشون في جنازة رجل كان ملء العيون والآذان، أن يتحدثوا في مأتمه عمن يرشحون خلفا له؟
ما أجرأ هؤلاء الأماثل! وما أرخص الموت عندهم! وماذا ترجو البلاد من رجال فقدوا كل كياسة؟
Bog aan la aqoon