أقول وبين الروايتين بون بعيد، فإن بين عشرين ومائة ألف وبين ثلاث مائة ألف شيء لا يجوزه العقل، والظاهر الرواية الثانية، فإن أقصر الكلمات حرف واحد كتاء الضمير، وياء المخاطبة، وأطولها سبعة أحرف كالاستخراج والاستدعاء، كما هو معلوم، وإذا قسم العدد المذكور في الرواية الأخيرة على الكلمات من غير تفاوت صح لكل كلمة أربعة أحرف ونصف وعشر وزيادة يسيرة، وأما على رواية أنها ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف فإنه لا يصح بوجه من الوجوه بعد ثبوت انحصار الكلمات في العدد المذكور كما هو ظاهر، والله أعلم.
<1/29> الباب الرابع
في العلم وطلبه وفضله
<1/31> قوله: «اطلبوا العلم ولو بالصين». قال في الصحاح: "والصين بلد، والصواني الأواني منسوبات إليه، انتهى".
ونحفظ أن الصين أقصى بلاد الإسلام، وأنه جزائر في بحر الهند، والمراد من هذا الحديث التحريض على طلب العلم وإن بعد محله، وأنه فريضة على مكلف، وجعلوا في كتب قومنا هذا الحديث والذي بعده حديثا واحدا مع زيادة، ولفظه في الجامع: "اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب" انتهى.
<1/32>واعلم أن العلم الذي يكون طلبه فريضة على كل مكلف، ويحمل عليه الحديث على ظاهر كلام أصحابنا رحمهم الله: هو علم ما لا يسع جهله من توحيد وغيره كما هو معلوم، وأما سائر علوم الديانات فإنه من فروض الكفاية، إذا قام به البعض أجزى عن الباقين.
وأما مخالفونا فقد اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم" اختلافا كثيرا، قال العلقمي: "قال البيهقي في المدخل: أراد (والله أعلم) العلم العام الذي لا يسع البالغ جهله، أو علم ما يطرأ له خاصة، أو أراد فريضة على كل مسلم حتى يقوم به من فيه الكفاية".
Bogga 30