14
نال صديق شهادة الثانوية العامة، وقدم أوراقه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فقبلت؛ فقد كان من أوائل الحاصلين على الشهادة.
وحدث أمر عجيب.
كانت زهيرة في حجرتها تتزين؛ فهي حريصة دائما على أن تتزين. وحين أكملت زينتها نظرت إلى المرآة بحسرة ملتاعة، وتصاعدت من كيان المرأة فيها حميا نيران متقدة بالحريق، وشعرت أنها إذا ظلت رائية إلى المرآة فستحطمها، فسارعت تخرج من الغرفة ومرت بحجرة صديق واقفا أمام المرآة يكمل ملابس نومه، فراعها ما رأت.
من هذا الفتى الشامخ الجمال المفتول العضل السمهري القامة ذو الكبرياء الأشم؟ ويلي! إنه ليس ابني، إنه فتى لا أعرف من أبوه ولا أعرف أمه، وإنما بذلت له من نفسي السنوات الطوال ليدرج من الطفولة إلى هذا الشباب النادر.
وقفت زهيرة على باب الغرفة يغمرها الذهول، تمزقها الجرأة فيها، تدفعها الأنوثة ويردها الحذر.
أهذا هو الفتى الذي قدم إلى بيتي خائفا ملتاعا يتسربل رعبه، ويرد ببيتي غوافل حياة طالعته بالأهوال وبالرعب وبالتهديد وبالويلات؟ أهذا هو الطفل الذي دخلت معه الحمام يوم مجيئه والذي احتضنته من أهوال الحياة وأقمت عليه الحصون مما كان يهدده؟ أهذا هو مشروع الإنسان الذي جاء إلي يتكفى في مخاوفه ومحاذيره، فأمنته ورعيته حتى أصبح هذا الرجل كله؟
ألم يئن الأوان أن يصبح لي رجلا بعد أن كان في بيتي طفلا ما كنت أنا أمه، وما كان صاحب حق عندي؟ فما البأس به أو بي أن يكون فتاي؟
ذهبت إلى غرفتها وخلعت ملابسها وارتدت قميصا داخليا ووقفت بالباب ونادت: صديق.
وجاءها صوته: أفندم. - هل أنت خارج؟ - لا أبدا. - تعال. - حالا.
Bog aan la aqoon