الفواحش " وليس الفحش إلا ما ظهر . وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له . فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه ، وهي أنه عين الأشياء فسترها (1) بالغيرة وهو أنت من الغير . فالغير يقول السمع سمع زيد ، والعارف يقول السمع عين الحق ، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق: فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول (2) . واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت. فيه بقرطبة سنة ست وثمانين وخمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم ، ورأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي (3) على كشفه لها قوله : "ما من دابة إلا هو آخذد بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " . وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا آن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن ، ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان : أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس . فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد. فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا" وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم "وما يجحد. بآيا تنا إلا الكافرون" فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدأ منهم ونفاسة (41-1) وظلما . وما رأينا قط من (4) عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه.
Bogga 110