52

هدى هانم شعراوي

لقد تعرف أن العرب إنما أخذوا علم المنطق عن اليونان وعربوه تعريبا، ودونوا فيه الكتب، وأشاعوا البحوث وضربوا الأمثلة، على أنهم في كل ذلك لم يخرجوا عن الأفق الذي رسمه اليونان حدا للمنطق تدور فيه قضاياه، وتتكيف أقيسته في أشكاله المقسومة، وكل أولئك مرده عندهم إلى العقل، وإلى العقل وحده. فأما القضايا الوجدانية، وأما الأقيسة الشعرية، فلا اعتبار لها ولا اعتداد بها في معرض الاحتجاج.

وبهذا أضحى المنطق شبيها بالرياضة إن لم يكن شعبة منها. وأما الفلسفة الحديثة، فلسفة الغرب، فقد تبسطت قواعدها حتى تناولت نجوى القلب وحديث الوجدان! وأدخلت هذا في جملة الأقيسة التي تعتبر نتائجها، ولقد يكون هذا من الحق، فإن شعور النفس أحيانا لا يقل صوابا عن حساب الذهن، بل لقد يسبق الوجدان أحيانا، ويستشرف إلى ما لا يهتدي إليه العقل، وينقطع من دونه جهد التفكير، فليس عدلا وليس حقا أن يسقط الإنسان هذه الأداة القوية النافذة من أسباب تعرفه واستكناهه لحقائق الأشياء!

على أن هذا أيضا لا يسلم من الخطل، فكثيرا ما يكون موقع الرأي في الوجدان أثرا من آثار الهوى، أو حكم البيئة، أو الظرف الخاص، أو طول الاعتياد أو نحو ذلك مما تتجه به نزعات النفس دون أن يكون للحقائق في نفسها أي اعتبار.

وإنما سقت هذه المقدمة الطويلة، المملة أيضا، لأقرر أنني، في مسألة المرأة، رجل رجعي، لا أرد هذا إلى قياس منطقي عقلي، على الطراز القديم، إنما مرد الأمر كله إلى قياس وجداني على الطراز الحديث. نعم، لا أدعي أنني حركت في الأمر عقلي فأثبت لي بعد ترتيب الأقيسة المنطقية، أن «نهضة المرأة المصرية» غير ميسورة أو غير صالحة، إنما هي نزوة الوجدان لا تلهمني من هذا إلا أسى وتطيرا! •••

وأهاب بي صديق: «فيما تقصر مراياك على الرجال، وفي النساء من هن أفضل من كثير؟» وأول من تنظرت لي من سيدات العصر، من غير تردد، هدى هانم شعراوي، ولكن! سرعان ما مثل لي تداعي المعاني أيضا مسألة «النهضة النسوية»، إذن، سأكتب في السيدة هدى هانم شعراوي، وإذن، سأعرض برغمي لحديث «النهضة النسوية».

على أنني لم أر السيدة النبيلة، ولا بد لي قبل أن أريها مرآتي أن أراها، ولا بد لي قبل أن أتحدث عنها أن أتحدث إليها، فكيف السبيل إلى كل ذلك؟ ذلك أن أتشفع إليها بصديق لأسألها في مسألة خيرية.

وهمها في العلا والمجد ناشئة

وهم أترابها في اللهو واللعب

ولقد تفضلت السيدة الكريمة وأذنت لي في التمثل لها في قصرها الفخم القائم بإزاء دار الآثار، أو القائمة بإزائه دار الآثار.

Bog aan la aqoon