Falsafadda Ingiriiska ee Boqolka Sano (Qeybta Koowaad)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
Noocyada
12
كما كان القوة الدافعة من وراء حركة إصلاح الجامعات، وما زال الأحياء من الجيل القديم يذكرون عنه أنه كان أبرز أساتذة الجامعات وأقواهم تأثيرا في عصره، وقد قضى حياته في التدريس في أكسفورد وحدها، ففي عام 1838 أصبح زميلا في كلية «باليول»، ثم مدرسا بها بعد أربع سنوات، وأصبح في عام 1870 أستاذا
Master ، إلى جانب شغله كرسي اللغة اليونانية من 1855 إلى 1893. ويعزى القدر الأكبر من شهرته إلى تجديده للدراسات الكلاسيكية بروح الفلسفة اليونانية ومن خلالها، وذلك خلال عمله في التدريس والكتابة، الذي امتد أكثر من نصف قرن، ولازمه النجاح الباهر طواله. ومن المعترف به أن ترجمته لمحاورات أفلاطون، التي صدرها بمقدمات رائعة، هي إلى اليوم أفضل الترجمات، ومن الممكن وصفها بأنها كلاسيكية، بمعنى أن أفلاطون أصبح بفضلها لأول مرة، قوة تعليمية حية بحق، وأصبح من المقتنيات المضمونة للأمة. فدورها بالنسبة إلى إنجلترا يساوي دور ترجمة «شلير ماخر» بالنسبة إلى ألمانيا، ولجويت ترجمات أخرى لثوكوديدس
Thucydides (1881) ولكتاب «السياسة» لأرسطو (1588)، غير أنها أقل أهمية؛ إذ إنه كان فيها أضعف تحمسا للمؤلفات الأصلية وأقل تعاطفا معها.
ويمكن القول إن هذا الاهتمام المتجدد والمتعمق، في أكسفورد، بفلسفة العصور الكلاسيكية القديمة ، قد أتى في الوقت المناسب؛ نظرا إلى الاتجاه الذي أخذ الفكر الإنجليزي يتحول إليه في ذلك الحين. فقد كانت القرابة بين المثالية اليونانية والألمانية واضحة، وشعر الجيل الناشئ في أكسفورد أكثر من أي مكان آخر، بالحاجة الملحة إلى تخليص الفكر الإنجليزي من ضيق أفقه وخضوعه الذليل لتراثه، وإلى العودة به إلى المجرى العظيم للفلسفة الأوروبية. وهكذا كان بعث الدراسات الأفلاطونية الذي استهله جويت، هو نقطة تجمع للمؤثرات الفلسفية الآتية من ألمانيا، وفضلا عن ذلك، فإن هاتين القوتين المتقاربتين: اليونانية والألمانية، اللتين تقابلتا سويا في أكسفورد في اتصال متبادل مثمر، قد توحدتا في جويت نفسه، وسارتا في اتجاه مشترك.
فلقد اتصل جويت بالمثالية الألمانية اتصالا مباشرا في وقت مبكر، أي في عام 1844 و1845، خلال إجازتين صيفيتين قضاهما في ألمانيا، فزار شلنج الكهل في برلين، ولكنه لم يعجب به على الإطلاق (ووصفه في رسالة كتبها في ذلك الوقت بأنه «ثرثار عجوز») كذلك قابل ي. أ. إردمان
13
وناقش معه «أفضل طريقة لاستيعاب فلسفة هيجل». وبعد عودته إلى إنجلترا ازداد عكوفا على دراسة هيجل، بل إنه بدأ في ترجمة كتاب «المنطق» لهيجل، ولكنه لم يكمل هذا العمل. وكانت حماسته ومثابرته في الكفاح من أجل فهم معاني هيجل مشابهة لكفاح سترلنج بعد ذلك بحوالي عشر سنوات أو خمس عشرة سنة. وهكذا كتب يقول في رسالة له عام 1845: «أما عن هيجل، فليست لدي إلا فكرة غامضة عن معناه، ولكني أشعر بأني لن أرتاح حتى أزداد تعمقا فيه.» وقال أيضا: «إما أن ينجح المرء في هذه المحاولة وإما أن يضيع، أي أن يتخلى تماما عن الميتافيزيقا؛ فمن المحال أن يقنع المرء بأي مذهب آخر بعد أن يكون قد بدأ في هذا.» غير أنه على خلاف سترلنج، لم يتأثر بهيجل تأثرا كاملا؛ فقد كانت طبيعته أكثر مرونة من أن يستحوذ عليها تماما هيجل أو غيره. وظل محتفظا، حتى في هذه السنوات المبكرة، باستقلاله الذهني المميز له، وازداد احتفاظا به في السنوات التالية.
وأهم ما يعنينا هنا هو أنه حث مجموعة من صفوة تلاميذه على دراسة كتابات هيجل، وبذلك أصبح أول وسيط للفكر الألماني في الجامعة التي أصبحت فيما بعد مقرا للمثالية الإنجليزية. فإلى جويت، أكثر من أي شخص غيره، يرجع الفضل في دراسة الهيجلية ومناقشتها بحماسة في أكسفورد حتى منذ أواسط القرن الماضي، وفي تحولها إلى قوة عقلية متزايدة الأهمية. ولقد كانت للبذور التي غرسها في عقول تلاميذه ثمار فلسفية يافعة. ولا ينقص من فضله في هذا الصدد، أن موقفه من هيجل قد مر بتقلبات متعددة، وأنه لا يمكن أن يعد في أي وقت هيجليا كاملا صادقا؛ ذلك لأنه كان كلما ازداد غوصا في تفكير اليونانيين، ازداد تباعدا عن أستاذه الفلسفي الأول. ومع ذلك فإنه في كهولته الناضجة قد رجع بنظره في إعجاب وتبجيل إلى ما كان هيجل يعنيه بالنسبة إليه يوما ما، فكتب يقول: «لقد مضى أكثر من أربعين عاما على ابتدائي في قراءة كتابات هيجل، وأعتقد أن ذهني قد تلقى منه في ذلك الوقت من القوة الدافعة أكثر مما تلقاه من أي مفكر سواه، ورغم أنني أدرك الآن أن مثل هذا النوع من الفلسفة لن يكتب له البقاء الدائم، فما زلت أكن لمعلمي وأستاذي القديم أعظم التبجيل.»
14
Bog aan la aqoon