138

Falsafadda Ingiriiska ee Boqolka Sano (Qeybta Koowaad)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Noocyada

فالموقف الطبيعي في رأيه لا يمكن أن يكون معيار الحقيقة الفلسفية؛ لأن التفكير اليومي، الذي هو أبعد ما يكون عن التفكير العقلي، مضطر إلى الخضوع تماما لقرارات هذا التفكير العقلي، وهنا أيضا كان فريير مبشرا ومتنبئا بتطورات ستحدث فيما بعد. غير أن اهتمامنا الرئيسي ينصب هنا على الحديث عنه بوصفه واحدا من رواد الحركة المثالية، التي ساهمت كتاباته، بما أحرزته من شهرة غير قليلة في وقتها، في إعطائها قوة دافعة ومضمونا.

وآخر من سنذكرهم من أولئك الذين أحسوا بوضوح بتأثير الفلسفة الألمانية قبل بداية الحركة بمعناها الصحيح، هو اللاهوتي فريدريك دنيسون موريس

F. Denison Maurice (1805-1872). ولقد كان موريس أستاذا للتاريخ والأدب الإنجليزي (1840) وكذلك للاهوت (1846) في «كنجز كوليدج» بلندن، حتى عام 1853 حين أعفي من منصبه بسبب آرائه المفرطة في تحررها، ومنذ عام 1866 حتى وفاته شغل كرسي الفلسفة الأخلاقية بجامعة كيمبردج. ولقد تشبع بعمق بروح كولردج؛ إذ كان واحدا من تلامذته القلائل، ولكنه لم يفلح أبدا في التعمق في مجاهل وغوامض التصوف عند هذا الشاعر الفيلسوف، والارتقاء به إلى مستوى التفكير الواضح. وفضلا عن ذلك فقد رجع، بفضل كولردج، إلى الدراسة المباشرة للفلاسفة واللاهوتيين الألمان، واستمد منهم أفكارا ملهمة عديدة، غير أن نشاطه الرئيسي كان خارج نطاق الفلسفة التي لم يكرس لها إلا اهتماما عارضا.

11

وهكذا فإن إحياء المثالية في إنجلترا قد مهدت له تيارات أدبية، وبشرت به قلة من الفلاسفة المنعزلين، غير أن هناك عاملين آخرين ساعدا على إحداث هذا الإحياء والتعجيل به، أولهما اهتمام الأوساط الدينية واللاهوتية، وثانيهما العناية بالدراسات الكلاسيكية في الجامعات القديمة.

ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم يكن التوتر التقليدي بين الفلسفة والدين، أو بين المعرفة والإيمان، قد تحول إلى صراع علني، وإنما كان أنصار كل من المعسكرين يتسامحون مع أنصار الآخر، ويقفون منه موقف الحياد العطوف، وذلك باستثناء اصطدامات قليلة كانت تقع هنا وهناك. فالفلسفة كانت على وجه العموم أقل اكتراثا بالدين من أن تجعل منه مشكلة حقيقية، وإنما اهتمت بمسائل أخرى، وتركت اللاهوت وشأنه. غير أن تحولا أساسيا حاسما قد طرأ على هذا الوضع بعد منتصف القرن الماضي، فقد أدى ظهور الداروينية إلى اتخاذ الفلسفة موقفا عدائيا من الدين، ونما المذهب الطبيعي والمادي بقوة بين أتباع دارون، وكان تغلغله في أذهان العامة أعمق من تغلغله في أذهان المثقفين، فكان لذلك أثره الهدام؛ فقد تعرض الدين - نتيجة لذلك - لخطر داهم. وهكذا دخل اللاهوت المعركة، بوصفه الجهة المختصة بالدفاع عن الدين، غير أن الأسلحة اللاهوتية وحدها لم تكن كافية للمضي في المعركة ضد المادية، وإنما كان لا بد من صرع العدو بسلاحه الخاص، أي بالفلسفة. على أن الفلسفة القومية كانت عاجزة عن ذلك تماما، فلم يكن من المستطاع استخلاص أي سلاح جديد منها، بل إن جانبا منها قد هرب رافعا أعلامه البيضاء إلى معسكر العدو. وهكذا أدت خطورة الموقف إلى الإصغاء إلى تلك الأصوات الفلسفية التي كانت تتحدث منذ وقت غير قليل من ألمانيا، وأدركت الدوائر الدينية المحافظة، بوجه خاص، الأهمية العظمى لعقد تحالف مع المثالية الفلسفية في الصراع المقبل. وهكذا لم تكن الاعتبارات الفلسفية الخالصة هي التي أدت إلى فتح الباب للغز الألماني، وذلك في المراحل الأولى على الأخص، وإنما أدت إلى الرغبة في دعم اللاهوت المحافظ وتجديد قوة الإيمان المهدد، ضد هجوم اللاأدرية والطبيعية وعدم الاكتراث الديني والإنكار الصريح. وكان أول وأهم المذاهب التي استغلت هو الميتافيزيقا البناءة (أو التركيبية) عند هيجل لا الكانتية؛ إذ كانت هناك شكوك تحوم حول كانت ذاته، وتتهمه باللاأدرية، وذلك نتيجة للتفسير المغرض الذي فرضته عليه مدرسة هاملتن. ويظهر هذا الاتجاه بكل وضوح عند رواد الحركة، أي عند سترلنج وجرين وولاس والأخوين «ليرد»؛ فالمثالية الفلسفية كانت عند هؤلاء جميعا، وعند الكثيرين غيرهم، تعني تأييد الدين والدفاع عنه، مهما كانت لها من دلالة أخرى لديهم. ولقد اعترف سترلنج بذلك، كما سنرى فيما بعد، بصراحة محمودة، وحتى في الحالات التي لم يعترف فيها بهذا الباعث بمثل هذه الصراحة، كان رغم ذلك موجودا وله أثره. وليس من شأننا هنا أن نتحدث عن التفسيرات الباطلة المجحفة التي نشأت عن هذا الباعث، وحسبنا أن نؤكد أن الحركة كانت، في مراحلها الأولى، تدين لهذا الباعث بأكبر قوة دافعة لهذا. غير أن هذا الباعث قد ضعف بنمو الحركة، وبدأت سطوته تخف حتى منذ أيام «نتلشيب

Nettleship » وكاد أن يختفي تماما عند أنصار المذهب المتأخرين (مثل برادلي وبوزانكيت) أو يتحول إلى ضده (كما هي الحال عند ماكتجارت). وهكذا فإن المتدينين المحافظين، الذين هللوا بحماسة للحركة في مرحلتها الأولى، أصبحوا ينظرون إلى مراحلها المتأخرة بعين القلق وخيبة الأمل.

أما العامل الثاني فكان ينتمي إلى مجال مختلف كل الاختلاف، فقد كانت جامعتا أكسفورد وكيمبردج تعتزان دائما بالروح الإنسانية واللغات الكلاسيكية (القديمة) وكانتا بهذا الوصف حاميتي التراث الفلسفي لليونان؛ ذلك لأن الفلسفة اليونانية، ولا سيما فلسفة أفلاطون وأرسطو ، كانت منذ وقت طويل من أهم الوسائل التعليمية لنقل الثقافة الكلاسيكية، وعن طريقها انتقلت الروح اليونانية إلى كل جوانب الحياة العقلية، وكان لها تأثيرها النافع في الفلسفة كما في بقية هذه الجوانب. وهذا هو المعنى الذي يمكننا أن نفهم به العبارة القائلة بوجود «تراث أفلاطوني في الفلسفة الأنجلوسكسونية» ظل مستمرا على الدوام (وهذا هو رأي مويرهيد)، لا معنى استمرار شكل معين من أشكال الأفلاطونية ظل يعمل على نحو فعال طوال تاريخ الفكر الإنجليزي (فأفلاطوني وكيمبردج كانوا ظاهرة منعزلة، ولم تحدث منذ ذلك الحين حركة مشابهة). وبعد منتصف القرن التاسع عشر حدثت نهضة جديدة هامة في دراسة الفلسفة اليونانية بأكسفورد ارتبطت أساسا باسم «بنجامين جويت

Benjamin Jowett » (1817-1893)، ورغم أن جويت كان لاهوتيا قبل كل شيء، فقد كان رجلا واسع الثقافة ذا نشاط متعدد الجوانب، وكان من قادة حزب «الكنيسة الرحبة

Borad Church »،

Bog aan la aqoon