" سنوات يوسف " عمره وجداره ... أبدا تنوء بأعجف السنوات
فيه العجوز وبنتها وغلامها ... يتذكرون موارد الأقوات
فالحقل جدب ظاميء وسماؤه ... صحو تلوح كصفحة المرآة
والأغنياء ، وهل ترق قلوبهم ؟ ... لا ، إنها أقسى من الصخرات
وتغلغلوا في الصمت فانتبهوا على ... شبح ينادي الصمت بالأنات
فإذا فتى قلق الملامح يختفي ... تحت الجراح الحمر والخفقات
فمشى ثلاثتهم إليه وانثنوا ... بالضيف بين الدمع والآهات
وروى لهم خبر العصابة أنها ... سدت عليه الدرب بالهجمات
وتهيجت فيه الجراح فصدها ... وتسترت بالليل كالحشرات
فدنت فتاة الكوخ تمسح وجهه ... وتبلسم الأجراح بالدعوات
وتبل من دمه يديها إنها ... تشم فيه أعبق النفحات
وترى به ما ليس تدري هل ترة ... سر القضا ؟ أم آية الآيات
فإذا الجراح تنام فيه ويشتفي ... ويرد عمرا كان وشك فوات
وإزاءه ابنت الجميلة كلها ... روح سماوي وطهر صلاة
يتجاوب الإغراء في كلماتها ... كتجاوب الأوتار بالنغمات
أغفى الجريح على السكون وأغمضت ... أجفان من حوليه كف سبات
والكوخ في حرق الأسى مترقب ... بشرى ترف عليه كالزهرات
***
والليل تمثال سجين يرتجي ... فك القيود على يد النحات
فبدا احمرار في الظلام كأنه ... لعنات حقد في وجوه طغاة
وتسلل السحر البليل على الربى ... كالحلم بين الصحو والغفوات
يندى وينثر في البقاع أريجه ... ويرش درب الفجر بالنسمات
وصيت على الجبل الشموخ أشعة ... مسحورة كطفولة القبلات
فكأنما الجبل المعمم بالسنى ... ملك يهز الفجر كالرايات
رفع الجبين إلى العلا فتقبلت ... في رأسه الأضواء كالموجات
وتسلق الأفق البعيد شموخه ... فترى عمامته من الهالات
وتلألأت فوق السفوح مباسم ... وردية الأنفاس والبسمات
وانصب تيار الشروق كأنه ... شعل النبوة في أكف هداه وغزا الدروب فأجفلت قطاعها ... ووجوههم تحمر بالصفعات
Bogga 76