أيها الإخوة، إن نور الشمس ونسيم الصباح وحنان الأمهات ورغد العيش ومسرات الاجتماع وراحة البال، كلها لم تخلق فقط لأرباب الأموال ، فإن الله العادل خلقها لجميع البشر على السواء، ونحن معشر الفقراء المساكين من جملة البشر، فانظروا إلينا وارحمونا، صدقونا إن لنا نفوسا كنفوسكم تتألم من المصائب والفقر والشقاء، وإن لنا أولادا كأولادكم ونساء كنسائكم يجب علينا سد حاجاتهم، صدقونا إن الطبيعة - تلك الطبيعة القاسية الظالمة - لم تخصنا بخواص الجماد، فإنها من - سوء حظنا - جعلت لنا معدا تتألم من الجوع، وقوى تخور إذا لم تغذ، ونفسا تفضل الجحيم أحيانا على هذه الحياة، وهذا ما يدفعها مرارا إلى أقصى حدود الوحشية: كالفوضوية وما أشبهها، ففي أيديكم الآن يا أبناء الوطن خراب بلادكم أو عمرانها.
وما سكت زعيم العمال حتى قامت ضجة في صفوف أهل المال فصاح أحدهم: يتهددوننا بالفوضوية، وصاح آخر: لا نخافهم فوراءنا جيش الحكومة، ولكن لم يلبث أن نهض زعيم أهل المال وأشار إلى رفاقه بالسكوت ثم أخذ يقول:
دعوى أهل المال
أيها السادة:
مسألتنا مع عمالنا مسألة قديمة منذ وجود الإنسان في هذه الأرض، فمنذ وجد فيها رجل نشيط قوي مدبر عامل ورجل ضعيف ساذج مهمل تسلط الأول على الثاني واستخدمه في ما فيه مصلحتهما معا، وإن هذا الاتفاق بين القوي والضعيف - بين الرأس المدبر الآمر والجسد المدار المأمور - بقي وثيقا وطيدا إلى ذلك اليوم الذي قام به الحسد والطمع يحرضان الضعيف على القوي ويغريانه بأن يعطل أعماله إن لم يشاركه فيها، فالحسد والطمع سبب كل هذا الخلاف.
ولقد كان العمال قبلا يشكون من أن أجورهم قليلة وشغلهم كثير، فإنهم كانوا يعملون من شروق الشمس إلى ما بعد غروبها، وأسعدهم حظا كان يتناول فرنكين في النهار، فرأينا أن نخفف عنهم فجعلنا أوقات عملهم 8 ساعات في النهار
1
وأبلغنا راتب الواحد منهم إلى مائة فرنك، ثم أنشأنا لهم منازل صحية رخيصة الأجرة ليقيموا فيها، واعتنينا بنسائهم وأولادهم في أوقات الولادة والمرض، ولكن كل هذا لم يقنعهم بل تدرجوا من طلب إلى طلب حتى وصلوا إلى طلب مشاركتنا في مصانعنا ومتاجرنا ومزارعنا، فإذا أجبناهم اليوم إلى ذلك فإنهم لا يلبثون أن يطلبوا غدا طردنا منها ليستولوا عليها من دوننا.
فاعلموا أيها السادة أنكم الآن بإزاء الطمع والحسد الاجتماعي لا بإزاء مظالم بشرية كما يقولون، والويل لحكومتنا ولهيئتنا الاجتماعية إذا تركتموها تخضع للطمع والحسد، ولا ريب عندنا أن حرصكم على مصلحة وطنكم المرتبطة بمصلحة أهل المال والأعمال أشد ارتباط سيجعلكم تردون دعوى العمال لا محالة.
ذلك أنكم تذكرون ولا بد في هذا المقام أمورا عظيمة عليها تتوقف حياتنا وحياة بلادنا:
Bog aan la aqoon