وبعد دقيقة تقدم زعيم من زعماء حزب العمال وقال مفتتحا البحث:
لقد أحسنتم في تخصيصكم الجلسة الأولى بمشاكل العمال وأصحاب الأعمال لأن هذه أكبر المشاكل في الحقيقة، ومتى حللناها حللنا معها سواها، ولكن لا سبيل إلى حلها إلا بطريقة واحدة، وهي إشراك العمال في ربح الأعمال؛ فإننا الآن نخدم أصحاب الأعمال كما يخدم العبد سيده، وأسعدنا حظا وأعظمنا قدرا يتناول في الشهر مائة فرنك، أي يأخذ في السنة أجرة لعمله 1200 فرنك، فإذا افترضنا أن عددنا في العمل 30 عاملا كان مجموع ربحنا جميعا في العام 36 ألف فرنك، على حين أن ذلك العمل يربح في كل عام مليون فرنك ربحا مجردا، وكل هذه القيمة تذهب وتنصب في صندوق صاحب العمل مع أننا نحن السبب في ربحها، فأية عدالة عند الله والناس تجيز هذا الأمر، وأي دين يرضى بأن يسعى مائة وواحد يأكل.
ولكن فلنترك مسألة الربح جانبا ولننظر إلى مسألة أخرى، وهي أن بين العمال المستخدمين قوما لا يتناولون في اليوم أكثر من فرنك واحد أجرة لهم، فكيف يمكن أن يكفيهم هذا الفرنك خصوصا إذا كان لهم أولاد عليهم القيام بأودهم، أليس ذلك عبارة عن ضرب الشقاء والذلة عليهم مدى العمر.
ثم إن العامل قد يمرض وقد يعجز وقد يموت، فماذا يحل به وبعائلته إذا كان قد صرف حياته كلها في خدمة صاحب العمل ولم يعد قادرا في مرضه وفي آخر عمره أن يكسب رزقه بعرق جبينه، أيموت جوعا هو وعائلته، أم يدور في المدينة يستعطي.
لذلك نطلب منكم نحن العمال باسم الإنسانية والإخاء البشري أن تنصفونا فإننا نحن الأكثرية في البلاد، وبدوننا لا تقدرون أن تصنعوا شيئا، فنحن نحارب لرد غارة العدو، ونحن نفلح الأرض لنخرج منها القوت والغذاء، ونحن نخدم في دوائر الحكومة والمحال العمومية والخصوصية، ونحن ندير المصانع لصنع المصنوعات ونسج الأنسجة، فحرام أن نصنع كل شيء وعلى ظهورنا تلقى كل الأحمال ثم تترك الحكومة فريقا قليلا من أصحاب الأموال يحتكر منافع البلاد وفوائدها وخيراتها ويسخر لنفسه الأمة كلها.
فصاح به حينئذ صائح من فريق المال: ولكن ماذا تريدون أن تصنع الحكومة، هل من حقها أن تتداخل بينكم لتجبر أرباب الأعمال على زيادة أجوركم أو مقاسمتكم أرباحهم، ألا تعلمون أن لأصحاب الأموال الحق المطلق في التصرف في أموالهم وأملاكهم كما يريدون، وأن الحكومة لا يمكنها التعرض لحق الملكية لأنه من الحقوق الطبيعية التي لا تنقض.
فأجاب الخطيب زعيم العمال: هذه شنشنة عرفتها من أخزم، فكأنكم نسيتم أن هنالك مذهبين متناقضين واحد معكم وواحد عليكم، ومما يحق لنا الفخر به نحن العمال الصغار أن مذهبنا في هذه المعضلة موافق لمذهب جميع شارعي الأديان من موسى إلى يسوع إلى محمد، فإن هؤلاء الكواكب الثلاثة الذين أناروا سماء الشرق والعالم قاطبة لو عادوا اليوم إلينا لكانوا من حزبنا، ذلك لأنهم يعلمون أن كل هيئة اجتماعية تبنى على ظلم الفئة الكبرى وراحة الفئة الصغرى هيئة فاسدة ستسقط لا محالة، فإذا كان في حزبكم فلاسفة كبار وعلماء أعلام ففي حزبنا من هم فوق العلماء والفلاسفة، ثم هل تريدون منا فلاسفة فاسمعوا رأي الفيلسوف كارل ماكس.
فضحك هنا بعض فريق المال وقال أحدهم: ما شاء الله، تستشهدون بأشد أنصاركم غلوا.
فقال الزعيم: لا، بل نستشهد بفيلسوف من الفلاسفة رأيه يناقض رأيكم في الملكية، فإنكم تقولون: إن أرباب الأموال مطلقو التصرف في معاملهم ومصانعهم ومتاجرهم، أما نحن فنقول لكم مع هذا الفيلسوف: إنكم في خطأ عظيم، فإن معامل الأمة ومصانعها ومتاجرها وأراضيها هي من مرافقها ومنافعها كالأنهر والأبحر والهواء، ولذلك لا يجوز أن تكون ملكا لفرد أيا كان، بل هي ملك لجميع الأمة، فعلى الأمة إذا أن تتولى إدارتها بنفسها وتوزع أرباحها بين أبنائها، أي أن الحكومة تجعل نفسها التاجر الكبير الوحيد الذي تنحصر في يده تلك المتاجر والمصانع والمزارع وتستخدم فيها أفراد الأمة وتعطيهم أجرتهم من تلك البضائع نفسها أي من عين المال، كلا بقدر حاجته وكفاءته، والعامل يستطيع أن يستبدل البضائع التي تجتمع عنده بأي بضاعة احتاج إليها، هذا ما يراه بعضهم عدلا وإنصافا، ونحن لا نطلب منكم كل هذا فإننا نترك لكم مصانعكم ومعاملكم ومتاجركم وأراضيكم، وإنما نطلب منكم أن تعطوا نصف ربحها في كل عام للعمال والمستخدمين الذين تخدمونهم فيها وتبقوا النصف الثاني لكم.
ولا تقولوا إننا قد طلبنا شيئا كثيرا فإننا لا نطلب إلا حقوقنا، لقد كرهت نفوسنا الخدمة بالأجرة كالأجراء، لقد كرهنا هذه العبودية الجديدة التي اخترعها التمدن الجديد، فإذا لم تنصفونا وتريحونا منها فاعلموا أننا نحذو حذو شمشون إذ نأخذ بأعمدة الهيئة الاجتماعية ونشدها قائلين: «علينا وعلى الجميع يا رب»، فيسقط البناء علينا وعليكم.
Bog aan la aqoon