الْوَجْه الرَّابِع
أَن هَؤُلَاءِ الضلال لم يَكفهمْ أَن جعلُوا إِلَه السَّمَوَات وَالْأَرْض متحدا ببشر فِي جَوف امْرَأَة وجعلوه لَهُ مسكنا ثمَّ جعلُوا أخابث خلق الله أمسكوه وبصقوا فِي وَجهه وَوَضَعُوا الشوك على رَأسه وصلبوه بَين لصين وَهُوَ فِي ذَلِك يستغيث بِاللَّه وَيَقُول إلهي إلهي لم تَرَكتنِي وهم يَقُولُونَ الَّذِي كَانَ يسمع النَّاس كَلَامه هُوَ اللاهوت كَمَا سمع مُوسَى كَلَام الله من الشَّجَرَة وَيَقُولُونَ هما شخص وَاحِد وَيَقُول بَعضهم لَهما مَشِيئَة وَاحِدَة وطبيعة وَاحِدَة
وَالْكَلَام إِنَّمَا يكون بِمَشِيئَة الْمُتَكَلّم فَيلْزم أَن يكون الْمُتَكَلّم الدَّاعِي المستغيث المصلوب هُوَ اللاهوت هُوَ المستغيث المتضرع وَهُوَ المستغاث بِهِ وَأَيْضًا فهم يَقُولُونَ إِن اللاهوت والناسوت شخص وَاحِد فَمَعَ القَوْل بِأَنَّهُمَا شخص وَاحِد إِمَّا أَن يكون مستغيثا وَإِمَّا أَن يكون مستغاثا بِهِ وَإِمَّا أَن يكون دَاعيا وَإِمَّا أَن يكون مدعوا فَإِذا قَالُوا إِن الدَّاعِي هُوَ غير الْمَدْعُو لزم أَن يكون اثْنَيْنِ لَا وَاحِدًا وَإِذا قَالُوا هما وَاحِد فالداعي هُوَ الْمَدْعُو
الْوَجْه الْخَامِس
أَن يُقَال لَا يَخْلُو الْأَمر ان يَقُولُوا إِن اللاهوت كَانَ قَادِرًا على دفعهم عَن ناسوته وَإِمَّا أَن يَقُولُوا لم يكن قَادِرًا فَإِن قَالُوا لم يكن قَادِرًا لزم أَن يكون أُولَئِكَ الْيَهُود أقدر من رب الْعَالمين وَأَن يكون رب الْعَالمين مقهورا مأسورا مَعَ قوم من شرار الْيَهُود وَهَذَا من أعظم الْكفْر والتنقص بِرَبّ الْعَالمين وَهَذَا أعظم من قَوْلهم إِن لله ولدا وَإنَّهُ بخيل وَإنَّهُ فَقير وَنَحْو ذَلِك مِمَّا سبّ بِهِ الْكفَّار رب الْعَالمين
وَإِن قَالُوا كَانَ قَادِرًا فَإِن كَانَ ذَلِك من عدوان الْكفَّار على ناسوته وَهُوَ كَارِه لذَلِك فَسنة الله فِي مثل ذَلِك نصر رسله المستغيثين بِهِ فَكيف لم يغث ناسوته المستصرخ بِهِ هَذَا بِخِلَاف من قتل من النَّبِيين وَهُوَ صابر فَإِن أُولَئِكَ صَبَرُوا حَتَّى قتلوا شُهَدَاء والناسوت عِنْدهم اسْتَغَاثَ وَقَالَ إلهي إلهي لماذا تَرَكتنِي وَإِن كَانَ هُوَ قد فعل ذَلِك مكرا كَمَا يَزْعمُونَ أَنه مكر بالشيطان وأخفى نَفسه حَتَّى يَأْخُذهُ بِوَجْه حق فناسوته أعلم بذلك من جَمِيع الْخلق فَكَانَ الْوَاجِب أَن لَا يجزع وَلَا يهرب لما فِي ذَلِك من الْحِكْمَة وهم يذكرُونَ من جزع الناسوت وهربه ودعائه مَا يَقْتَضِي أَن كل مَا جرى عَلَيْهِ كَانَ بِغَيْر اخْتِيَاره وَيَقُول بَعضهم مشيئتهما وَاحِدَة فَكيف شَاءَ ذَلِك وهرب مِمَّا يكرههُ الناسوت بل لَو يَشَاء اللاهوت مَا يكرههُ كَانَا متباينين وَقد اتفقَا على الْمَكْر بالعدو لم يجزع الناسوت كَمَا جرى ليوسف مَعَ أَخِيه لما
1 / 323