ولماذا هذا الشغف؟ لكأنها متينة الشعور بالصلة بين المسمى واسمه. أو كأنها تذكر قولا مأثورا عند بعض المشارقة، وهو أن الاسم ينزل على صاحبه من السماء! أو كأنها تطرب له لأنه اسمها ليس غير، وأنه أول علاماتها بين الناس! أو كأنها تتشبه بداهة بذلك الفيلسوف الهندي، يقضي الوقت الطويل مكررا لنفسه اسمه حتى تنكشف له حجب الغيب فتستيقظ ذاته البصيرة العليمة رائية ما يجري على بعد مسافات، سامعة ما يقال في البعد السحيق! جميل معنى «عائشة» وجميل معنى «عصمت» أما «تيمور» - فعلى عهدة من شرح لي وفسر - فلفظة تركية أصلها في اللغة العامية «دمير» ومعناها الحديد الصلب الذي لم يصقل بعد. ولذلك يخطئ من يطلق هذه اللفظة على تيمورلنك للتصغير أو للاختصار؛ لأن معنى «تيمورلنك» نصل السيف المصقول.
على أننا قبل الانتباه لمعنى هذا الاسم نتأثر بوقعه المرضي للسمع. وهو يمثل (على ما يلوح لي) مزيجا من نبرة الأمر العسكري وأبهة وقورة رزينة. تمسها كآبة طفيفة ووداعة.
وبعد، أيتسع معنى الاسم فتكون كلمة تيمور رمزا إلى أن الطبيعة النسوية المصرية بدأت تصقل بعائشة؟
لكنها لم تأخذ الاسم كما هو بل أطلقته على نفسها بصيغة النسبة. فإذا بها «التيمورية» وفي هذه الأيام حيث صارت الألقاب والنعوت طوفانا يغمر الصالح والطالح على السواء أصبح عدم اللقب لقبا وغدا التجرد من النعوت نعتا. فجمل بنا أن نوجز في نعت الشاعرة المصرية وأن نسميها، حينا بعد حين، بهذا الاسم الآخر الذي أحبته ووضعته في فم أشخاص يستشهدون بأقوالها ويضربون بأشعارها الأمثال «التيمورية».
الفصل الخامس
شاعرة بثلاث لغات
عبقريتها اللغوية
قالت التيمورية شعرها بالعربية لغة وطنها المصري. وبالتركية لغة آبائها، وهي لغة لا يزال التخاطب بها في بعض الأسر ذات الأصل التركي. وقالته بالفارسية التي هي لفئة من أدباء العرب والترك لغة «مدرسيه»، شأنها عندهم شأن اليونانية واللاتينية عند الغربيين. والسبب في ذلك علاقة الفرس بهذين الشعبين الشرقيين من حيث السياسة والتاريخ.
ليس بوسعي درس شعرها غير العربي لجهلي اللغتين اللتين كتب بهما. على أني أذكر هنا شبه شهادة سمعتها عرضا من شقيقها أحمد تيمور باشا. وهي قول المغفور له السلطان حسين لسعادته أنه «يفكر فيه كلما رأى ابنته قدرية تقرأ في ديوان السيدة عائشة.» وهناك شهادة مسجلة في آخر الديوان المذكور «كشوفة»، وهي رسالة من «إيران دولت عليه سي مصر قاهرة قونسولي سعادتلو دوقتور ميرزا محمد مهدي بك أفندي حضرتلي.»
ولكن هل تعني الشهادة والإنكار دوما كل ما يرصف فيهما؟ نقرأ أحيانا وصف بعض نتاج الأقلام عندنا فنحسب أننا مقبلون على مثل ما أبرز أوربيدس ودانتي وشكسبير. فنحملق بالعيون والقلوب فإذا بنا نطالع شيئا حسنا قد يجوز «تشجيع» صاحبه. أو شيئا غير حسن يتحتم أن يحرم كاتبه من الفاكهة والحلوى طيلة أسبوع على الأقل.
Bog aan la aqoon