وهنا يقول قائل كيف نستطيع أن نميز بين اللغة والأدب وهما شيء واحد والتفريق بينهما يستلزم موت أحدهما لا محالة.وهذا اعتراض والحق يقال له نصيب من الأهمية والاعتبار لا ينبغي لنا السكوت عنه فهانحن نجيبه بدليل على سبيل التمثيل ولا نظنه يتردد في قبوله إن كان من المنصفين:
اللغة شيء والأدب شيء آخر اللغة وعاء والأدب مائع يختلف لونه وطعمه باختلاف أذواق الشاربين فاختر أنت أيها"القائل"ما يحلولك أياقوت سيال؟أم ماء زلال؟
وإن شئت الوضوح أكثر فالفرق بينهما كالفرق بين ماء البحر وملوحته فإن الماء شيء والملح شيء آخر وإن ظهر لنا صعوبة انفكاكهما عن بعضهما فبعملية كميوية بسيطة نحصل على كل جزء منهما بعينه منفردا وإن أردنا إتمام عملنا فلنزد لذلك الماء النقي نصيب من السكر فنحرز على ماء حلوعوضا لنا عن ماء مالح أجاج،وهكذا اللغة والأدب.
وقد يقتنع بهذا الجواب ولكنه لا يلبث إن يعد الكرة مرة أخرى قائلا-ناقما علي كلامي على شوقي-ما الفائدة في تتبع خطوات رجل قد عرف ماله وما عليه ونقد أقواله والناس كلها-كما صرحت أنت بنفسك-قد جمعت على علوكعبه في الشعر والأدب مع كون بلادك في غاية الانحطاط فهذا ضرب من العبث وقتل للوقت النفيس. فأقول له أما الداعي إلى ذلك ففيه فوائد جمة منها:
1- خدمة الأدب بقطع النظر عن البلاد السائد فيها.
2- لم أقصد بنقدي التنقيص من سمعة الشاعر الكبير فقدره أعلى منزلة من أن يتناوله يد المتطاول.
3- لغة القرآن تجمعنا رغم تنائينا.
4-الشرق جسد واحد وإن تعددت الأعضاء.
5- للبحث في حياة العظماء فائدة عظمى لا ينكرها إلا امتنعت.
6- أبناء المغرب مشغوفون بالتشبث بأذيال أبناء المشرق من عهد بعيد رغم الحواجز التي بنتها يد الاستعمار.
7- مصر مهد العربية الآن ومنبع العلوم والأدب الشرقي فنحن نحب أن نراها في تقدم مستمر.
8- فتح باب النقد الأدبي لبني جلدتي إذ هوسلطان مملكة الأدب والعلم.
Bogga 55