لم يستعمل السكان هذا الفحم وقودا، ولكنهم اكتشفوا فيه ميزة طبية، وهي شفاء الجراح الأكثر اتساعا في ظرف أربع وعشرين ساعة. إنهم يحولونه إلى مسحوق ناعم تكاد لا تستطيع الأصابع أن تقبض عليه، ثم ينثرونه على الجرح الذي يلف بشاشة، فيندمل بسرعة عجيبة.
وهنالك عدة مناجم من الحديد في لبنان قلما استثمرت؛ لأنهم لا يحسنون اختصار أساليبهم، ولا يغيرونها؛ فيستخدمون الحطب في صنعه، فتكلفهم تلك العملية غاليا نظرا لارتفاع ثمن الحطب عندهم. إن الحديد الموجود في لبنان من النوع اللين جدا، وهذا ما يجعله أفضل من الحديد الأجنبي لصنع نعال الخيل وعمل المسامير، والأعمال الأخرى في البلاد.
ويؤكدون أيضا أنه يوجد عندهم مناجم ذهب وفضة ونحاس، غير أنهم لم يجرءوا قط على مسها. والسيد بروكي العالم بالطبيعيات الموفد من قبل محمد علي إلى سوريا عام 1823 وجد مواد هذه المعادن الثلاثة، ومواد من التوتيا أيضا.
إن الأشجار التي يلائمها مناخ لبنان وتنمو فيه هي الأزدرخت الذي ينمو بسرعة ويبقى خشبه صالحا مدة طويلة. وهنالك نوع منه تنمو أغصانه المورقة بشكل مظلة، فيوافق الطرق والممرات ظله الوارف؛ فتصبح كأنها أسرة.
ومن أشجار لبنان الجوز الذي أجهل بالفرنسية اسمه، وهو ذو صمغ طيب الرائحة، وقد سبق لي أن قلت إنهم كانوا يستعملونه ليدوخوا الأسماك في الأنهار والغدران عند محاولاتهم اصطيادها.
لست أعتقد أن توت هذه البلاد هو من نوع خاص؛ لأنه لا يعلو عن الأرض أكثر من ثلاثة أمتار أو أربعة. إنه ولا شك أكثر أشجار هذه الناحية أهمية ونفعا. وبقطع النظر عن فائدته الأولية في تربية دودة الحرير، فقضبانه التي تقطع في الربيع - بقدر ما تدعو الحاجة إلى ورقه لعلف دود القز - تستخدم للوقود، كما أن قشور هذه القضبان تقوم في علم الاقتصاد عند الفلاحين مقام قشور الخيزران في الأشياء التي تحتاج إلى ربط. إن أوراق الدفعة الثانية من ورق التوت - وهي تنمو في الصيف - تطعم للمواشي. أما الخشب فقد سبق لي أن قلت إن النجارين يفضلونه على سواه من الخشب في أعمالهم.
وأقول أخيرا إنهم ينتفعون بكل ما ينتجه التوت حتى بفضلات الأوراق التي استعملت في تربية دود الحرير، كما أن براز هذه الدودة يستعمل علفا للبقر، وكثيرا ما تستلذه.
إن الفوائد العديدة التي تجنى من شجرة التوت تدعو الفلاح إلى التضحية بجميع الأشجار الأخرى بدون شفقة؛ فإذا ما نبتت قربها شجرة - كما سبق لي أن قلت - تقتلع حالا خوفا من أن تشاطر من هي أفضل منها عصارة التربة المغذية. وكلما بدا لناظر الفلاح اليقظ مكان ملائم لغرس التوت، يقتلع كل ما فيه من شجر ليغرس مكانه التوتة قرة عينه؛ وحينذاك تسمد التربة باعتناء وتحرث مرات في السنة. وبقدر ما تولى هذه الشجرة من عناية يزداد الفلاح يسرا؛ لأن غلة هذه الشجرة تزداد بازدياد العناية بها.
وعندما يرون أن الشيخوخة قد دبت إلى شجرة التوت (وهذا يكون في الثلاثين من عمرها إذا لم يعتن بها) يقتلعونها بلا شفقة، لينصبوا مكانها شجيرة من العائلة نفسها؛ فالعناية الحسنة والتدبير الأكثر ملاءمة لطبيعة هذه الشجرة يجعلانها أكثر خصبا، وأوفر غلة، وأطول عمرا.
وإذا تفقص بزر الحرير قبل نمو ورق التوت - وهذا ما يحدث في فصول الشتاء غير الباردة - فإنهم يغذونه بأوراق الخبازي إلى أن يؤتي شجر التوت أكله.
Bog aan la aqoon