"فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه؛ جمعهم على قارئ واحد، وأسرج المسجد فصارت هذه الهيئة - وهي اجتماعهم في المسجد وعلى إمام واحد مع الإسراج - عملا لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمي بدعة؛ لأنه في اللغة يسمى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض زال بموته - صلى الله عليه وسلم - ، فانتفى المعارض" (¬1) (¬2) .
الشبهة الخامسة: فهمهم لقول الله تعالى: { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغآء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فاتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم وكثير منهم } ]الحديد:27[.
الجواب: (ليس في هذه الآية دليل على استحسان البدع من كل الوجوه المحتملة، فإذا كان قوله تعالى: { إلا ابتغآء رضوان الله } يرجع إلى قوله تعالى: { ابتدعوها } ؛ فمعناه أن الله
لم يكتبها عليهم؛ إلا أنهم ابتدعوها بقصد زيادة التقرب إلى الله، وفي هذا ذم لها؛ لأن الله
لم يفرضها عليهم، ويزداد التقبيح أنهم مع اختراعهم لها لم يرعوها حق رعايتها، وقصروا فيما ألزموا أنفسهم به، وهذا ضرب من التقبيح والتشنيع المضاعف.
وإذا كان راجعا إلى قوله: { ما كتبناها } ؛ فمعناه أنهم ألزموا أنفسهم بابتداعها، فكتبها الله عليهم، أي أصبحت دينا مشروعا من لدن أحكم الحاكمين، وهذا ضرب من التقرير، وقد حدث مثله في ديننا، فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقر أصحابه على أقوال وأفعال يأتون بها،
لم تكن مشروعة من قبل، وبتقريره لها تصبح شرعا يعبد الله به، وأمثلة ذلك في السنة كثير.
Bogga 36