"وأما قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" فأكثر المحتجين بهذا؛ لو أردنا أن نثبت حكما بقول عمر الذي لم يخالف فيه؛ لقالوا: "قول الصاحب ليس بحجة!"، فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟!
ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة؛ فلا يعتقده إذا خالف الحديث.
فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب.
ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة، مع حسنها، وهذه تسمية لغوية
لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية؛ فما لم يدل عليه دليل شرعي.
فإذا كان نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دل على استحباب فعل، أو إيجابه بعد موته، أو دل عليه مطلقا، ولم يعمل به ألا بعد موته، ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبوبكر رضي الله عنه، فإذا عمل ذلك العمل بعد موته، صح أن يسمى بدعة في اللغة؛ لأنه عمل مبتدأ،
كما أن نفس الدين الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - يسمى محدثا في اللغة؛ كما قالت رسل قريش للنجاشي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين إلى الحبشة:" إن هؤلاء خرجوا من دين آبائهم
ولم يدخلوا في دين الملك، وجاؤوا بدين محدث لا يعرف".
ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة، وإن سمي بدعة في اللغة.
وقد علم أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : { كل بدعة ضلالة } لم يرد به كل عمل مبتدأ؛ فإن دين الإسلام، بل كل دين جاءت به الرسل؛ فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد من الأعمال التي
لم يشرعها هو - صلى الله عليه وسلم - ).
قلت: وقد سبق بيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد صلى بأصحابه في رمضان ثلاث ليال، ثم خاف أن تفرض عليهم، فتركها.
Bogga 35