وفي قوله هذا ترغيب لقيام رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة، وكان الناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرهم، وإقراره سنة
منه - صلى الله عليه وسلم - ) (¬1) .
بل إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون التراويح في عهد عمر رضي الله عنه قبل أن يقول كلمته هذه، فقد روى البخاري ومالك وغيرهما عن عبد الرحمن بن عبدالقارى رضي الله عنه قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاعا متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم. قال عمر: "نعمت البدعة هذه").
ثالثا: (إذا علمت - رحمك الله - ما تقدم، فمفهوم البدعة الشرعية لا ينطبق على فعل عمر، وإنما أراد - رضي الله عنه - بقوله المذكور البدعة اللغوية ، فالبدعة في الشرع
لا تستخدم إلا في موضع الذم، بخلاف اللغة فإن كل ما أحدث على غير مثال سابق بدعة، سواء أكان محمودا أو مذموما) (¬2) .
(وعلى هذا حمل العلماء قول عمر رضي الله عنه فقد قال الإمام ابن كثير- رحمه الله-
في تفسيره عند تفسير (سورة البقرة :117): "البدعة على قسمين: تارة تكون بدعة
شرعية؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - : { كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة } وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: "نعمت البدعة هذه" .
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص233): "وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ... " ثم ذكر رحمه الله قول عمر رضي الله عنه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/592-593):
Bogga 34