95

Albaabka Dayaxa

باب القمر

Noocyada

على أن النضر سره من أبيه ألا يكلمه؛ إذ كان يعلم ما يجول في خاطره، ونزل إلى القاعة التي يلقى فيها الناس؛ ليلقى من دسهم على ورقة ليقتلوه، وما كان أشد دهشته وغضبه حين علم منهم أن ورقة رحل عن مكة في طريق يثرب، وأنه كان في رفقة من المسلمين يودعونه، وأنهم لم يجدوا في استطاعتهم قتله وهو على هذا الحال فعادوا يخبرونه، كاد يتميز النضر من الغيظ لا لأن تدبيره لقتل ورقة قد خاب كما خاب تدبيره السابق، وكان قد وعد أصحابه أن يجيئهم هو برأسه؛ بل لأنه قدر أن رحيل الفتى في يوم فرار هرميون ولمياء لا بد أن يكون بتدبير سابق بينهما على يد زياد عينا لما أرسله أبوه؛ ليضمد له جرحه بشيء من عقاقيره. فعزم على أن يعاقبه، وإلا فمن هذا الذي يجرؤ على دخول بيته آمنا؛ ليدبر ذلك إلا أن يكون من أهل الدار! وإن ذهاب هرميون غربا وذهاب ورقة شمالا لا يفيد افتراقهما إلا تمويها، فهما لا بد مجتمعان؛ إما في جدة أو وادي مر،

2

فأمر رجاله أن يقسموا أنفسهم فريقين؛ هذا يسير إلى جدة، وذاك إلى مر، فمن بلغ إحداهما قبل الآخر ولم يجدهما فيها يلحق بالفريق الآخر عسى أن يكون في حاجة إليه، وعلى هذا التدبير الحربي الخائب نهض أعوان السوء لا لينفذوه، بل ليجتمعوا خارج مكة حيث شاءوا؛ ليأكلوا ويشربوا، ويقضوا يوما سعيدا بأموال النضر هازئين به وبتدبيره؛ لأنهم كانوا يعلمون أن بعرانهم هزيلة، وأن ورقة خرج على شملالة تأكل الطريق أكلا، وأنه خرج من عش أمه، وأن امرأة الحارث خرجت قبله، وأن لا داعي إلى هذا التمويه، وإذا كانا متفقين على الهرب معا فقد كان من الميسور أن يسير وراءهما ككل سائر ، وإلا فلو كانوا يريدون تضليل الناس؛ لكان عليه أن يسبقهم في الخروج إذا أراد طريق عسفان لطوله لا أن تسبقه هرميون. لذلك رأوا ساعة خرجوا أن يوفروا على أنفسهم الجهد والمشقة، وغابوا عن مكة ثلاثة أيام، وعادوا يقولون: إنهم لم يتركوا شبرا من الأرض لم يفتشوا فيه عنهم، وأنهم تأكدوا في جدة أن هرميون ولمياء ركبتا سفينة مع أحد الرجال إلى مصر. فقدر النضر أنه ورقة حتما، ولم يجد ضرورة للاستفهام عن حلية الرجل وصفاته، وقد كان من الحتم أن يصفوه بما عرفوا ورقة.

والواقع أن ورقة لم يترك مكة عملا بنصيحة أستاذه فيما أرسله إليه مع زياد، بل نزولا على إرادة مولاته أم المؤمنين، فقد جاءها خبر صريح أن القوم ذكروه في مجالسهم بكل سوء فقالوا: إنه صاحب العير، الذي جاء بالطعام إلى شعب أبي طالب، ومدبر هجرة المسلمين إلى الحبشة، وأنه قاتل العبد النضري، وفاضح أمرهم، ولذلك أهدروا دمه، وعلمت أم المؤمنين بذلك فور قوله فدعته إليها لتعلنه بأمرهم، وتأمره بالرحيل على الفور عن مكة

3

قالت له: يا بني، إننا نضن بحياتك، وقد علمنا أن قريشا جعلت لرأسك ثمنا سيتهافت عبيدهم على نيله، ولقد أديت واجبك؛ إذ أيقظت بني عبد المطلب لإقامة الحراس على كل مدخل، وبقي علينا أن نؤدي واجبنا نحوك. ارحل عن مكة من فورك، واقصد إلى بني النجار في يثرب فهم خؤولة مولاك، وعش في كنفهم حتى أرسل في طلبك، أو عش كما شئت، وقد رحل اليوم إلى يثرب نفر من الأوس على رأسهم أبو الحيسر أنس بن رافع، وفيهم فتى من بني الأشهل يدعى إياس بن معاذ أسلم بدعوة مولاك وجهر،

4

واحتملها سائر العير حتى حين، فأدركهم في الطريق، وسر في أمن عيرهم. قال ورقة: إنك لتحرمينني نعمة الشهادة في سبيل رسول الله، ولقد جاءني العلم بما بيت لي النضر وصحبه من الشر بخط أبيه في هذا الرق، ولكني آثرت أن أموت على عتبة رسول الله؛ لتكون لي الجنة. قالت: الجنة لك بما دعا لك رسول الله، وما رضي عنك،

3

فأستودعك الله إنك لا تدري ماذا نجد لفراقك وما نكن من الحب لك، ولكنا نؤثر حياتك على مصلحتنا. فبكى ورقة بكاء غزيرا، وانحنى يقبل يدها، ودعت له، وانصرف إلى أهله؛ لينهي إليهم أمر مولاته، ويرتحل ببعض ماله وشملالته عن مكة. وإذا هو يلقى على باب رسول الله جماعة من إخوانه المسلمين علموا بما أعلنته قريش من إهدار دمه، وعلموا من زيد بن حارثة أن مولاته دعته إليها؛ لتأمره بالهجرة إلى يثرب، فجاءوا ليحيطوا به ويمنعوه، ويرافقوه إلى ما وراء التخوم.

Bog aan la aqoon