فتوقف الرجل عن المسير وهو يقول في غيظ: استريحي، ربنا يتعب المتعب!
وضعت المرأة البقجة على الأرض وجلست عليها مفرجة ما بين فخذيها لتريح بطنها المنداحة، ووقف الرجل لحظة ينظر فيما حوله، ثم جلس على بقجة أيضا. وهبت عليهما نسائم معبقة بأنفاس الفجر الرطيبة، لكن المرأة لم تغفل عما يشغلها فتساءلت: أين سألد يا ترى؟
فقال شافعي ساخطا: أي مكان يا عبدة خير من حارتنا اللعينة.
ورفع عينيه إلى شبح الجبل الممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وقال: سنذهب إلى سوق المقطم؛ إليه قصد جبل أيام محنته، وسأفتح دكان نجارة وأعمل كما كنت أعمل في الحارة، لي يدان تدران الذهب، ومعي نقود للبدء لا بأس بها.
شدت المرأة خمارها حول رأسها ومنكبيها وقالت بحزن: سنعيش في غربة كمن لا أهل له، ونحن من آل جبل أسياد الحارة!
فبصق الرجل متأففا وقال محنقا: أسياد الحارة؟! ما نحن إلا عبيد أذلاء يا عبدة، ذهب جبل وعهده الحلو، وجاء زنفل، أجحمه الله، فتوتنا وهو علينا لا لنا، يلتهم أرزاقنا ويفتك بمن يشكو.
لم تنكر عبدة شيئا من قوله. كأنها ما زالت تعيش في أيام المرارة وليالي الأحزان، لكنها حين ضمنت الابتعاد عن مكاره الحارة؛ حن قلبها إلى ذكرياتها الطيبة فقالت متحسرة: لا توجد حارة كحارتنا لولا أشرارها، أين تجد بيتا كبيت جدنا؟ أو جيرانا كجيراننا؟ أين تسمع حكايات أدهم وجبل وصخرة هند؟ ألا لعنة الله على الأشرار!
فقال الرجل بصوت مرير: والنبابيت تهوى لأتفه سبب، وأصحاب الوجوه المستكبرة يختالون بيننا كالقضاء والقدر!
وذكر زنفل اللعين وكيف أخذ بتلابيبه، وهزه بعنف حتى كاد يقتلع ضلوعه، ثم مرغه في التراب أمام الخلق، لا لشيء إلا لأنه جعل مرة من الوقف حديثه! وضرب الأرض بقدمه واستطرد قائلا: المجرم الملعون خطف وليد سيدهم بياع لحمة الرأس، ثم لم يسمع عن الوليد بعد ذلك أبدا، لم تأخذه رحمة بطفل في شهره الأول، وتتساءلين أين سألد، ستلدين بين أناس لا يقتلون الأطفال.
فتنهدت عبدة وقالت برقة، كأنما لتخفف من مضمون حديثها: ليتك رضيت بما رضي به الآخرون!
Bog aan la aqoon