وقالت في غيظ: الدين؟! متى كان الدين حائلا بين قلبين؟!
وقلت وقد فرغ صبري: لقد تحدثت يا سيدتي عن جمال الماضي، فماذا حل حتى استحال هذا الماضي إلى ذكريات؟ ماذا فعل هؤلاء الرجال الثلاثة؟ ومن هم؟ - أحدهم كان أبي، والثاني سيد لا يعرف العربية، أوروبي أفاق ضاقت به أوروبا فوسعته فلسطين، فانتفخ حتى بدت له الأرض التي وسعته كلقمة، أما الثالث فقد عرفته بعد ذلك، لقد كان رسول الوباء. - أي وباء تعنين؟ - الوباء الذي التهم ماضينا، ألا تعرف ما حدث بعد ذلك؟! في صبيحة اليوم التالي أصبحنا غير عرب، أصبحنا صهيونيين! - أكاد لا أفهم أيضا. - أتعرف ماذا يفعل السحر؟ - يحيل التراب ذهبا. - ويحيل الملاك شيطانا، أليس كذلك؟ - في بعض الأحيان. - وهذا ما حدث؛ كنا نعيش بين أهلنا وذوينا، فانتزعنا بالروح وبقينا بالجسد، صرنا بشرا آخر، قيل لنا إننا جنس آخر! - وماذا فعل أحمد؟ - ما زال كما هو، بوجهه الجميل وقلبه النقي، أما أنا فقد كان علي أن أختار؛ هل أسكب في قلبي سحر الشيطان، أم أقتله، وأعيش للشيطان بجسدي فقط؟ وقد اخترت الثانية.
كان الفجر يرسل خيوطه لتنسج الضوء حول الكون، حين آبت رفقة من قصتها، وكأنما وجدت قطرات من الدمع في عينيها، فراحت تسكبها في قوة، ورحت أنا أتأمل ما سمعت.
قال دافيد خادم الفندق، وهو يفتح علينا الباب في الصباح بلهجة ناعمة: صباح جميل يا سيدي، مدموازيل ربيكا، يوجد شخص يطلبك بالتليفون.
وقالت ربيكا وهي تضحك في ألم: إنه ليون، قد استبطأ عمولته.
وسارت وفي عينيها دمعة مترقرقة.
لحن قصير
جذب بيده ستائر النافذة، فتوارى آخر شعاع للشمس الغاربة، ثم تحرك صوب الباب، لكنه لم يخط حتى رن في أذنيه صوت رفيع، ينساب في إعياء مناديا الممرضة: فاطمة، أشرب، أريد أن أشرب.
وأدار زر الكهرباء، فانبعث نور المصباح الهادئ في فضاء الغرفة، وبدا وجهها الذابل خلاله كأنه رأس تمثال من الشمع.
وسار نحو المنضدة، وحمل كوب الماء واقترب من فراشها، وفتحت عينها على صوته وهو يقدم الكوب، ويده وهي ترفع رأسها في رفق، فقالت في حنان: أنت دائما يا دكتور منير ... إنني أتعبك كثيرا، إني آسفة.
Bog aan la aqoon