Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
Tifaftire
علي معوض وعادل عبد الموجود
Daabacaha
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
الداخليُّ، ولم يكن ذلك اليقينُ بنظم دليلٍ أو ترتيبِ كلامٍ؛ كما يقول الغزّاليُّ.
ويقولُ أيضاً - رضي الله عنه - في كتابه( المُنْقِذِ من الضَّلال):
((فظهر لي أن العلمَ اليقينيَّ هو الذي يَنْكَشِفُ فيه المَعْلُومُ انكشافاً لا يبقَى معه رَيْبٌ، ولا يقارنه إِمْكَانُ الغَلَطِ والوَهْمِ، ولا يتَسع القلْبُ لتقديرِ ذلك، بل الأمانُ من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقينِ مقارنةً لو تَحَدَّى بإظهار بُطْلانه مثلاً مَنْ يقلبُ الحَجَرَ ذَهَباً، والعَصَا ثُعْبَاناً - لم يُورِثْ ذلك شكّاً وإنكاراً؛ فإِنِّي إذا علمتُ أن العَشَرة أكثرُ من الثلاثةِ، فلو قال لي قائل: لا بَلِ الثلاثةُ أكبر، بدليلٍ أني أقلبُ هذه العَصَا ثُعْبَاناً، وقَلَبَهَا، وشهدْتُ ذلك منْه، لم أشكَّ بسببه في مَعْرِفَتِي، ولم يَحْصُلْ لي مِنْه إلا التعجُّبُ من كيفيَّة قدرته عَليْه، فأما الشَّكُ فيما علمْت، فلا، ثم علمْتُ أن كلَّ ما لا أعلمه على هذا الوجْهِ، ولا أتيقَّنه هذا النَّوْعَ من اليقينِ، فهو عِلْمٌ لا ثِقَةَ به، ولا أمانَ معه، وكلُّ عِلْمٍ لا أَمَانَ معه، فليس بعِلْمٍ يقينيّ)).
وهكذا طالع الغَزَّاليُّ كلَّ ما أنتجه الفكْرُ الإنسانيُّ من مذاهبَ ومناهجَ متنوِّعة، وصار لا ينسُبُ نفسَه إِلَىْ فِرْقَة، أو يربط نفْسَه بمذهَبٍ خاصٌّ، أو تفكير مَعَيَّن، بل كان غايتُهُ هي نِشْدَانَ الصَّوَابِ، والبحثَ عن الحقِّ، والحقِّ وحدَه، دون أن يعتريه أدنى غموض أو ريب، في أيّ مكان وعلى أيِّ لسانٍ، يدفعه إلَى ذلك الاجتهادُ، الذي وَلاَهُ وجهه، بعد أن خَرَج من رِبْقَة التقليدِ، وعبوديَّة المُحَاكَاةِ.
وبهذا المذْهَب العلْمِّي الجديدِ، فَتَح الغزّاليُّ ربُوعَهُ للثقافات المختلفة، فتشرَّبَها، وأنتجَ مؤلّفاتٍ ومصنَّفَاتٍ ما زالَتْ شاهدةً إلى الآنَ عَلَى عبقريَّة هذا الإمَامِ الفَذَّة.
وقد أفْصَحَ الغَزَّالي عن مِذْهَبِه الفِكْرِيِّ الجديدِ هذا في كتابه مِيزَان العَمَل بقوله:
(( . .. أَطْرَحِ المَذَاهِبَ، فَلَيْسَ مع واحدٍ مِنْهُمْ معجِزةٌ، يترجَّح بها جانبُهُ، فَأَطْلُبِ الحقَّ بطريق النَّظَرِ؛ لتكونَ صاحَبَ مِذْهَبٍ، ولا تكنْ في صورة أعمَى مقلِّد، وإنما خُذِ الحقِّ أينما وَجَدْتَهُ، وفي أيّ ناحيةٍ كان، واطْلُب الحقَّ بالنظر لا بالتقليدِ، فالحكمةُ ضالة المؤمن يلتقطها أينما وجَدَها ... ))
وقد تعدَّدت اتجاهاتُ الغَزَالِيِّ العلْمِيَّةِ، فنراه يضْربُ في كلِّ بحْرٍ بدلْوٍ، وها هي مصنَّفَاته في عِلْمِ الكلامِ، والفلسَفَةِ، والباطنيَّة، والسُّلُوك، والفقْه وُصُولِهِ - كلُّ ذَلَك مِن أُمَّهَات الكُتُب، التي عَكَفَ عليها الباحثُونَ قديماً وحَدِيثاً.
وفي هذه الشُّطُور التالية - إنْ شَاء الله تعالى - نفصِّلُ القَوْلَ في هذه العُلُومِ التي خلَّفها الغَزَّالِيُّ - رحمه الله - لنا، ونتكلّم عن جهودِهِ وإسهاماتِهِ فيها، وكيفَ أنتقلْتْ كلُّ هذه العلومِ مرحَلَةَ متقدِّمةً علَى يد هذا الإمامِ العظِيمِ.
أوَّلاً: جُهُودُ الغَزَّاليِّ في عِلْمِ الكَلامِ:
44